فيما لا تزال قضية الطفلة رهام الحكمي التي نقل إليها دم ملوث بالإيدز قبل أشهر في جازان، ونقلت للعلاج بالرياض، وما تزال محل اهتمام من الناحية الطبية والقانونية، كشف مدير "بنك الدم" في وزارة الصحة الدكتور علي بن سعد الشمري، أن ما حصل للطفل خطأ بشري تسبب فيه أحد خريجي الدبلومات الصحية "التجارية"، وهذا ما دفع بالوزارة إلى إعادة حساباتها في التشديد في مسألة نقل الدم بعدة إجراءات، وفي مسألة توظيف حملة الدبلومات "التجارية". وأعلن أن وزارته تسعى إلى إيجاد مسمى "أخصائي بنك دم"، كما تستعد لتوقيع عقود مع شركات للبدء بنظام التواصل والربط الإلكتروني لبنوك الدم.

وقال الشمري في حوار أجرته معه "الوطن"، إن "قضية رهام" قادت إلى ضرورة إعادة النظر بالتشديد على تطبيق الأنظمة الخاصة ببنوك الدم، ومنها عدم اللجوء إلى العلاج بنقل الدم إلا في حالات الضرورة القصوى، أي إذا ما فقدت إمكانية العلاج بالطرق الأخرى، وكذلك عدم نقل الدم إلا في حال وجود احتياج فعلي لذلك، فيما قررت الوزارة ربط بنوك الدم إلكترونيا لتفادي تكرار هذه الحادثة، إضافة إلى وضع تصور للقوى العاملة، إذ يجب أن تكون مؤهلة وتخضع لدورات تخصصية.

ولفت إلى أن هناك حالات مرضية لا تستدعي نقل الدم، وقد يؤدي النقل إلى خطورة على المريض، مبينا أنه لا توجد وحدة دم آمنة 100% مهما أجريت من فحوصات متقدمة، نظرا إلى أن كثيرا من الأمراض الفيروسية يصعب اكتشافها بفحوصات متقدمة أثناء التبرع في حال كان المرض في فترة حضانة، وهذا ينطبق على أي بنك دم في العالم.

تبرع محدود

وحول الإقبال على التبرع بالدم، اشتكى الشمري من محدودية ثقافة التبرع الطوعي بالدم في المملكة، موضحا أن نسبة المتبرعين الطوعيين لا تصل إلى 50% من إجمالي عددهم. ودعا السكان إلى زيادة الزيارات إلى بنوك الدم والتبرع له، نظرا إلى أن توفر الدم ومشتقاته هو أمن وطني، كما حث الجهات المعنية في المملكة كوزارات الصحة والتربية والتعليم والثقافة، على مزيد من الاهتمام، فضلا عن دور وسائل الإعلام المختلفة في نشر ثقافة التبرع الطوعي، محملا إياها مسؤولية القصور في هذا الشأن.

وأوضح أن الحمية والوزن يمنعان معظم السيدات في المملكة من التبرع بالدم وتصل نسب مشاركتهن إلى أقل من 5%، رغم حملات التبرع التي تقام في المجمعات التجارية، ودعوات الجمعيات النسائية للتبرع، مبينا أن في المملكة بنك دم رئيسا مؤهلا، يستقبل المتبرعين ويسجل بياناتهم.


السلامة أولا

وربط الشمري أهمية التبرع بالدم بصرفه للمريض، وأن يحرص البنك على سلامة المتبرع، ولا يقبل الذين قد تضرهم عملية التبرع أو القادمين من دول موبوءة، حفاظا على سلامة المتبرع والمتلقي، وأنه قبل عملية التبرع يوجد نموذج "استبيان" للمتبرعين، يشتمل على معايير وأسئلة معينة يجب أن يجيب عنها المتبرع بشكل دقيق، حرصا على سلامة الجميع.

أما فيما يخص عملية التبرع وتخوّف البعض منها، أوضح الشمري أن عملية التبرع تستغرق 10 دقائق فقط، يتم خلالها تجميع الدم بطريقة نظيفة وآمنة ومتزنة، والتأكد من حال المتبرع بعد العملية وإعطائه بعض السوائل والتوصيات، مشيرا إلى أنه لا يسمح للمتبرع بالخروج أثناء درجات الحرارة المرتفعة في الصيف إلا بعد مدة قصيرة للتأكد من سلامته، إلى جانب ذلك فإن استقبال المتبرعين للمرة الثانية بحسب المعيار العالمي تكون بعد 8 أسابيع وقبلها لا يسمح بذلك.


أساليب الفحص

وعن الخطوات التي تعقب عملية التبرع، أكد أنه بعد التبرع تعدّ الوحدة غير آمنة ويؤخذ منها عينة للفحوصات الفيروسية بقسميها "نظام المسح، والفحص الجزيئي" الذي يعدّ الأدق للمادة الوراثية للفيروسات، خاصة أن المملكة تعد سباقة في الفحص بصفة انفرادية لكل متبرع، مشيرا إلى أن الكلفة تكون أعلى ولكن نسبة المأمونية تكون مرتفعة. وقال إن كلفة الفحص للعينة الواحدة للمتبرع بحدود 150 ريالا. وتابع: "فيما تتجه بعض الدول إلى الفحص المسحي والحالات السلبية في هذا الفحص تحولها إلى الفحص الجزيئي لتقليل التكلفة".

وفيما يتعلق بإجراءات حفظ الدم، قال الشمري: إنه يحفظ في مكان غير قابل للصرف لحين الانتهاء من إجراءات الفحوص عليه، وعند صدور نتائج الفحص يجمعه شخصان، غالبا ما يكون مدير بنك الدم وأحد الأخصائيين، لإجراء عملية فسح وحدة الدم، أي نقلها من موقع غير القابل للصرف إلى موقع القابل للصرف، ونشدد على هذا المرحلة كثيرا، مشيرا إلى أن عملية الفحص تستغرق 24 ساعة للتأكد من سلامته.

مركزية الفحص

وكشف الشمري أن الوزارة تسعى إلى مركزية الفحص الجزيئي، ليس بسبب نقص أجهزة الفحص الجزيئي في كل موقع، بل لأن الأمر يحتاج إلى كوادر بشرية بكفاءات عالية لإجرائه. كما كشف عن توجه بنك الدم إلى تحويل جميع وحداته في المملكة لتكون مفلترة؛ تماشيا مع النظام العالمي، وأن الأكياس المفلترة موجودة بنسب متفاوتة تصل إلى 30% وستكون نسبتها 100% في القريب العاجل، وذلك بعد موافقة الوزارة على استخدام أكياس الدم ذات الفلتر لتصفية الدم لإزالة كريات الدم البيضاء التي تسبب المضاعفات وزيادة في مأمونية الدم.

وبين الشمري أن وحدات الدم لها عمر زمني يتفاوت ما بين 35 و42 يوما، وهناك آلية للتعامل مع وحدات الدم منتهية الصلاحية بعزلها إلى موقع آخر من أجل التخلص منها بالطرق السليمة المتعارف عليها دوليا، عبر المراجعة اليومية لوحدات الدم الموجودة في ثلاجات الدم، مشيرا إلى أن عملية العزل تتم قبل يوم من الانتهاء على الأقل.

إيقاظ الخطر

وعن قصة رهام التي نقل لها دم ملوث بالإيدز وأثارت جدلا واسعا، قال الشمري: إن أنظمة العمل في بنوك الدم موجودة وكذلك المعايير، لكننا نجد الإشكالية بالذات في قصة رهام في تطبيق المعايير.. فالناس الذين يعملون في بنوك الدم إذا لم يلتزموا بتطبيق المعايير فكأننا لم نفعل شيئا.. وحالة رهام جعلتنا نلتفت للعنصر البشري للعاملين في بنوك الدم، وأنه يجب أن يكون الاختيار دقيقا.

وأضاف: ما حدث للطفلة رهام دفعنا إلى وضع تصور للقوى العاملة التي يجب أن تكون مؤهلة وتخضع لدورات تخصصية. وما حدث مع رهام هو واحد من نتائج الإشكالية التي واجهتها الوزارة مع حملة الدبلوم التجاري، عندما تم توظيفهم في الوزارة، إذ إن الشخص الذي قام بهذا العمل هو واحد من هؤلاء الخريجين، لم يكن قاصدا هذا الخطأ لكنه حصل، وليس الخطأ في الفحوص بل خطأ بشري.

وعن تفادي هذه الإشكالية، قال الدكتور إن حملة الدبلومات الصحية من جميع التخصصات هم مظلومون ويجب عدم توكيلهم بمهام عمل حساسة إلا بعد ضمان تدريبهم بشكل جيد، ونحن لا نحملهم المسؤولية للأخطاء التي قد تحدث منهم، فيما يمكن الاستفادة منهم في المواقع الأقل حساسية.

تفادي رهام أخرى

وأكد الشمري الشمري أن الوزارة بدأت بمشروع "التجسير" وهو إعطاء حملة الدبلوم الفرصة للحصول على شهادة البكالوريوس في بعض جامعات المملكة، عبر الإدارة العامة للابتعاث والتدريب بالوزارة، كاشفا عن سعي الوزارة لإيجاد مسمى "أخصائي بنك دم"، وأن يكون لديه شهادة بكالوريوس مختبرات، وخاضعا لدورة مكثفة في جزئية بنوك الدم بالتعاون مع الهيئة السعودية للتخصصات الصحية للحصول على هذا المسمى، على أن تفصل الوزارة أخصائي مختبر عن أخصائي بنك دم، موضحا أن مشكلة أخصائي المختبر أنه يعمل في أكثر من جهة.

ودعا الشمري إلى ضرورة التعلم من قصة رهام، بالاختيار الجيد للعاملين في بنوك الدم أولا، إضافة إلى أنه ليس كل موظف مؤهلا ليعمل في بنك الدم، إلى جانب الحاجة لإعادة الاعتبار في قضية تنظيم العمل بالنسبة إلى بنوك الدم.

ربط إلكتروني

فيما يتعلق بالخطط المستقبلية لتأمين النقل الآمن للدم، أوضح الشمري أن إدارته على وشك توقيع عقود مع شركات للبدء بنظام التواصل والربط الإلكتروني لبنوك الدم بما يسهم في التواصل بين الإدارات المعنية التي تضم الطب الوقائي وبنوك الدم والمديريات الصحية، مبينا أن تطبيق الربط الإلكتروني من شأنه تسهيل معرفة المتبرعين الذين يعانون من أمراض، بحيث لا يتم قبولهم في موقع آخر، كما هو مطبق في الكثير من دول العالم.