ورد ذكر الحج وما يتفرع من لفظه في القرآن الكريم اثنتي عشرة مرة؛ منها ثماني مرات في سورة البقرة. يقول الأديب عبدالعزيز الرفاعي رحمه الله: "ارتبط نشوء اللغة العدنانية، أو اللهجة العدنانية، بتاريخ الحج، فمنذ أن استقرت هاجر مع وليدها إسماعيل في مكة وتفجرت مياه زمزم، أخذت مكة تتحول إلى حاضرة. ونشأ عدنان فنشأت معه اللغة العدنانية، التي أخذت تتطور مع الزمن حتى استقرت على لهجة قريش، التي أصبحت من بعد لغة الحضارة العربية الإسلامية"، ومن هنا كانت اللغة تحج إلى مكة من خلال تلك الملتقيات الحضارية المعرفية، والمثاقفة المدنية والمجتمع المتحضر، والانفتاح على مكونات الشعوب وعظيم الأفكار، فاللغة سر الحضارة، فمؤتمر الحج كان ملتقى للتبادل التجاري وتناشد الأشعار، ومن هنا كانت المعلقات والشعر القرشي الذي خلدَّ (مسميات الأماكن المقدسة، وما يحيط بمكة أو يقرب منها والتي تقع في طريق الحج وتتصل به).

يقول أبوطالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم: وثورٌ ومن أرسى ثبيرا مكانه.. وراق ليرقى في حراء ونازل، وممن ذكر الحج ومشاهده قبل الإسلام النابغة الذبياني، وعمرو بن كلثوم، وزهير بن أبي سلمى، وجاء الإسلام ليواصل الشعر حضوره في التفاتات ومشهديات روحية ووجدانية، معبرة عن شعيرة الحج وما يمثله في ثنايا الروح والنفس المؤمنة، ولم يفقد وظيفته أو يتخلى عن رسالته حتى عصرنا الحاضر، فقد واصل استضافته وطاقته اللامتناهية، للتعبير عن الحج "شعرا" من خلال ما يبثه الشعراء في حفلات الاستقبال في منى، بحضور ولاة الأمر في بلادنا، فاستمع الحجيج إلى عمر أبوريشة، وحسين بستانة، وهادي خفاجي، وأحمد إبراهيم الغزاوي، وفؤاد شاكر، وحسين عرب، وسعيد فياض، وراضي صدوق، وزاهر بن عواض الألمعي، وغيرهم من شعراء "مصر والعراق وسورية ولبنان وفلسطين والمغرب العربي" يقول الغزاوي: بحمدك رب العالمين نسبح.. وفي نعمة الإسلام بالعيد نفرح..

وفيك تساوى بالمشاعر عاكف..

وباد وغاد بالضحى ومروح..

تفرقت الأجناس ثم بك التقت..

على الحق لا تبغي ولا هي تجمح..

تزاحم حول البيت عالية الصدى..

بلبيك ترجو ما وعدت وتطمح

أضالعها محنية وقلوبها..

إليك بها أسرارها تتفتح.

ويقول طاهر زمخشري:

يا إلها لرحبه قد قصدنا..

وحططنا الرحال في الإسراء..

في صعيد به المشاعر ضجت..

بوفود تناثرت في الفضاء..

في صعيد به المآزر بيض..

حاكها الحب من نسيج الصفاء..

فالجموع التي تناديك يا رب..

نفوس مسكونة في النداء.