في كل مرة يحتدم النقاش حول شأن اجتماعي خلافي، تظهر أصوات تحاول أن تناقش الأمر من خلال جر المتحاورين لحوارات جانبية ونقاشات سفسطائية، لا تتلمس صلب الفكرة المثارة، ولا تحاول أن تعالج أو تضع مقترحات عملية يمكن من خلالها الوصول لأرضية مشتركة يمكن للجميع الاتفاق عليها.

فمعظم تلك المداخلات التي لا يمكن النظر إليها على أنها عميقة أو ذات قيمة فكرية تحاول أن تدحض الفكرة المثارة عبر التشيك في مدى كونها أولوية، أو التشكيك في المحاورين عبر اتهامهم بكل أنواع التخوين والعمالة، وهي أساليب عادة ما ينتهجها من لا يملك حجة حقيقية أو موقفا صلبا حيال الفكرة المثارة.

في ذات الإطار، نجد أن تحديد الأولويات الوطنية ليست حكرا لطرف على آخر، وذلك لأن المجتمع بأطيافه ومكوناته المختلفه يعيش كل في موقعه واقعا مختلفا يواجه من خلاله مشاكل مختلفة وتحديات متنوعة تتفاوت خطورتها وأهميتها من طرف لآخر ومن فئة لأخرى.

بعض الأصوات التي لا ترى حقا لطرف في المطالبة بأحد حقوقه لأن هناك حقوقا أخرى أهم وفق تقدريهم يجب أن يتم الحصول عليها، يغفل حقيقة أن الحقوق بطبيعتها لا تتجزأ، ولا يمكن النظر للأمور بتلك النظرة العاجزة التي تقول "طالب براتب قبل أن تطالب بسكن"، فبكل بساطة التنازل عن حق كفله لك الشرع والقانون والحق الإنساني في سبيل أولوية أخرى هي الخطوة الأولى للتنازل بالإرادة عن الحصول على حقوقك كاملة.

الرجل الذي يطالب فقط بحقوق تتعلق بالرجل ما هو إلا "شوفيني" لا يعي من الحقوق إلا ذكوريته المنقوصة، ودعوة الرجال بحقوق المرأة كونها أما وإنسانة ومواطنة في مجتمع منافق على ذاته هو الموقف الذي لا يأخذه إلا رجال شجعان تحدوا رجعية مجتمع استسلم لعجزه.

المضحك المبكي، أن هؤلاء الذين يدعون لترتيب أوليات الحقوق لا يتورعون من العويل استهجانا على الشجعان الذين وقفوا موقف المطالبين لأحد الحقوق في وقت لم يتجرأ أي منهم للعمل في خدمة المجتمع، مناهضا لظلم أو داعيا لإصلاح أو مطالبا بتطوير، وذلك في تجسيد واقعي وملموس لمقولة: "يعيبون على الناس والعيب فيهم".. فقد ابتلي مجتمعنا بهؤلاء السلبيين الذين يأخذون على عاتقهم تجسيد سلبية المجتمع بأوضح صورها.