خطيب جامعنا ألقى في العيد خطبة جميلة ورائعة، وفي ظني أنه وفق كثيرا في اختيار موضوعها بعيدا عن المواضيع التقليدية التي يتناولها أكثرية الخطباء في العيد دون تجديد ودون تعب وبحث وعناء لتقديم ما يمكن أن يفيد المتلقين ويؤثر فيهم ويدفعهم للتفاعل مع ما يسمعون.

خطيبنا استثمر الزمن والمكان والحالة النفسية التي عادة ما يكون الناس عليها في العيد ليذكرهم بحجم وعدد من يقاطعون أرحامهم ويزعمون أنهم في عيد سعيد، وكاد يجزم خطيبنا أنه لا توجد أسرة واحدة إلا وتشكو من قطيعة رحم واعتبرها شبه ظاهرة استشرت في مجتمعنا لأسباب، بعضها سخيف وبعضها لها ما يبرر الخلاف، لكن ليس لها ما يبرر القطيعة لفترات وسنوات حتى أن البعض فارق الحياة وهو لا يكلم أخاه أو أخته أو بعضا من أقاربه.

خطيبنا أوضح عظم الإثم والعقوبة الناجمة عن قطيعة الرحم، والحق أن تداعيات قطيعة الرحم في الدنيا والآخرة شيء مخيف ولا يمكن لعاقل سوى أن يدرك ويعي الوعيد الذي ينتظر قاطع الرحم ويصر على تلك القطيعة، لكن الملفت في الموضوع والذي لم يتطرق إليه الخطيب أنه من واقع ما نرى ونسمع بيننا وفينا وحولنا أن جل أسباب بقاء حالة القطيعة بين الأقارب لسنوات طويلة تعود لأمرين: الأول المكابرة والعناد وعدم قبول أي من الطرفين، خاصة الطرف المخطئ، بالمبادرة بالسلام والصلح بحجة ألا يقال عنه أنه هو من اعتذر، والأمر الثاني عدم وجود من بين الأسرة نفسها أو الأصدقاء من يسعى للصلح بين المتخاصمين، بل ربما هناك من يسعى لتأجيج الخصومة ويحبط أي مسعى للصلح.

والحق أنه لو علم المترددون في المبادرة بالسلام والصلح، وكذلك المترددون في السعي من أجل الصلح بين الناس ما ورد من ثناء وأجر لمن يسعى لذلك، لما ترددوا لبرهة في اتخاذ تلك الخطوة، وإن كنت أظن أن بعضهم بمثل ما يعلم بحجم الإثم الناجم عن القطيعة ويصر على القطيعة استسلاما للشيطان ولهوى نفسه وكلام الناس، هم أيضا يعلمون بالثواب العظيم للبادئ بالسلام وبمن يعفو وبمن يسامح وبمن يحسن ولكنهم لذات السبب يكابرون ويعاندون.

ولأني كما ذكرت لكم أشعر بما شعر به الخطيب تجاه هذه الظاهرة المؤلمة والمزعجة فإني وددت للتذكير نقل شيء مما قاله الخطيب وأضيف عليه أنه حينما نموت ومعنا الوزر العظيم المتعلق بقطيعة الرحم لن يشفع لنا ولن ينفعنا أولئك الذين من أجل خواطرهم أو خوفا من ألسنتهم رفضنا المبادرة بالسلام أو القبول بالصلح مع أناس من لحمنا ودمنا.