حين كتبت "بوست" على صفحتي في "فيس بوك"، أشير فيه إلى أني تجولت بالسيارة في عدة أماكن وكان كل شيء حولي طبيعيا جدا، واجهت ردود فعل كثيرة منها المؤيد ومنها المعارض، وهذا لا اختلاف عليه، فالناس ليسوا على فكر واحد ولا على طريقة واحدة. لهذا نواجه نحن من نؤمن بفكرة أن المرأة إنسان له حق المواطنة والحركة والتنقل والقرار، الكثير من الاتهامات أو بالأحرى الإسقاطات التي وظفت لوقف مطالبتنا بحق القيادة، مثل تعزيز فكرة ربط قيادة المرأة بأجندة خارجية، مؤامرة سياسية، دين...إلخ. في نهاية الأمر لسنا ننكر وجود كل هذا بشكل عام تجاه المجتمع المسلم ولكنه تم توظيفه بحيث يتم منع المرأة من الكثير من الحقوق بحجة المؤامرة. لقد كان ردي على أحدهم حين أبرز لي هذه القائمة بأنها لا تعنينا ولسنا مسؤولين عن وجودها كما لسنا نطالب بحق لنا لتنفيذ أجندات خارجية إطلاقا. حاجتنا الملحة للحركة وتغير ظروف الحياة هي من دفع الكثير للمطالبة بهذا.

اليوم، اتضحت الكثير من التفاصيل والمتعلقات وردود الفعل تجاه قضية قيادة المرأة للسيارة التي مازالت عالقة نظاميا ومجتمعيا، حتى أصبح كل من يسمع بقضيتنا هذه يشاركنا التساؤل والتعجب..

أحد الإخوة العرب أرسل لي يسألني باستغراب يقول: غريب.. أنتم الشعب السعودي الشقيق تمنعون النساء من القيادة بحجج واهنة منها الخوف على حرمة النساء وتسمحون لهن بالركوب مع الهنود والبنغال بحجة أنهم خدم أو ليسوا رجالا؟! وكان ردي عليه أن الفكرة أبعد من هذا بكثير، وأن هذه مجرد تبعات لفكرة سابقة وقديمة وهي فكرة حجب المرأة وإبعادها عن الرجال والحياة العامة وإعطاء صلاحيات كاملة لولي أمرها. فكان رده: لكن المرأة نصف المجتمع ولا فرق بينها وبين الرجل، ومن ينظر إليها بذلك الفارق إنما هو رجل جاهل. وكان ردي عليه أن الجميع ظُلم في هذه النقطة سواء الرجال أو النساء، لأن ما يحدث هو نتاج فكر معين تحكمه العقلية القبلية، وهي أشد وأقوى السياقات البشرية التي تحكم المجتمعات، فعلى الرغم من حضارة المجتمع ظاهريا إلا أن عقلية القبيلة تحكمه من الداخل بشكل كبير، حتى أولئك الذين يبدون متنورين ومنفتحي الفكر، في لاوعيهم البعيد هناك قبيلة صغيرة تحرك فكرهم، وبخاصة في أي أمر يتعلق بالمرأة.. هنا يظهر عقل القبيلة ليحكم بلا جدال.

على مستوى المجتمع هناك وحشية كبيرة في التعامل مع مسألة السماح للمرأة بالقيادة، وهذا لا يعني أنه ليس هناك على الجانب الآخر من يتفهمون ويؤيدون بوعي كبير، ولكن حين نكون على أرض الواقع، فإن أصحاب الأنياب والمخالب يجرحون ويؤذون أكثر من أولئك المسالمين. لهذا كل ما نأمله هو قوانين حماية لكل من تقود سيارتها لوقف الوحش الذهني في رؤوس الكثيرين الذين ينظرون إلى المرأة بأنها ملكية خاصة وطريدة للاقتناص وقاصرة عن الاستحقاق.