سائق أرعن مخمور يودي بحياة شاب في مقتبل العمر مع أربع من شقيقاته، ويتسبب في إدخال طفلين إلى المستشفى. ليست هذه مقدمة فيلم سينمائي تراجيدي، وإنما حادثة حقيقية وقعت للأسف في حي الياسمين في الرياض يوم الجمعة الماضي خلال إجازة عيد الأضحى هذا العام.

وقع الحادث عند تقاطع طريق الملك عبدالعزيز مع طريق أنس بن مالك في شمال الرياض، وهذا التقاطع عبارة عن دوار، المفترض أنه وضع لينظم حركة السير وينسق المرور بين جهات التقاطع الأربع، ولكن بحكم مروري من هذا الدوار ومن غيره في المنطقة فإنه للأسف وضع في بيئة لا تحترم ثقافة الدوار والأولوية المرورية بشكل مزر، بيئة تجبر المنظم على أن يصرف وينفق فوق طاقته ليحمينا من جهلنا وقلة وعينا.

وفقا لتعليقات الصحف فإن سائق السيارة الأخرى كان مخمورا وكان في حالة غير طبيعية وهو ما أيده محضر الاستشمام، ووفقا للتفاصيل الواردة عن الحادث فإن سائق السيارة المخمور كان يقود سيارته بسرعة جنونية، مما فاقم في الخسائر وسبب الوفيات.

موضوع قيادة السيارة في المملكة من المواضيع الساخنة هذه الأيام، لعدد من الأسباب التي لا تخفى على الجميع، لكن هنالك عنصر غائب عن سخونة هذا الملف لعله يكون هو الأهم والأكثر خطورة، إنه عنصر الوعي الحضاري وثقافة السلامة المرورية.

تكفي نظرة فاحصة لبعض الإحصائيات الخاصة بالحوادث المرورية في المملكة لكي نستوعب مدى غياب هذا العنصر المهم، وسأقتبس مقتطفات من محاضرة نشرها موقع العربية للعقيد الدكتور زهير بن عبدالرحمن شرف مدير الأنظمة واللوائح في مرور منطقة المدينة المنورة، حيث إن معدل الوفيات في حوادث الطرق في السعودية 17 شخصاً يوميا، أي شخص كل 40 دقيقة، كما بلغ عدد المصابين أكثر من 68 ألفا سنويًّا، وزادت الخسائر المادية على 13 مليار ريال في السنة، وهو ما يجعل السعودية تحتل المركز الأول عالميًّا في عدد حوادث الطرق، كما بين أن عدد ضحايا الحوادث في السعودية تجاوز في العقدين الماضيين أكثر من 86 ألف شخص، وقال إنه تجاوز عدد ضحايا حروب الأرجنتين، وحرب الصحراء الغربية، وحرب الهند وباكستان، وحرب الخليج، وحرب نيبال الأهلية، وحرب استقلال كرواتيا التي بلغ مجموع ضحاياها 82 ألف شخص.

وأضاف العقيد شرف أن عدد ضحايا حوادث الطرق عام 2011 بلغ أكثر من 7153 شخصا، وهو رقم يفوق عدد ضحايا العنف في العراق للعام نفسه الذي بلغ نحو 4200 شخص، كما أنه أعلى من عدد ضحايا حرب الخليج الذي بلغ 5200 شخص فقط. مؤكداً أنه في ازدياد ومن المتوقع أن يصل عام 2019 إلى 9600 شخص في العام.

وأكد أن الدراسات والأبحاث أثبتت أن أكثر الحوادث تقع بسبب أخطاء العنصر البشري وخاصة السرعة، إضافةً إلى قطع الإشارة وقيادة غير المؤهلين للقيادة واستخدام المركبات لغير ما أُعدت له مثل التفحيط، مشيرا إلى أن ارتفاع إصابات الحوادث يستنزف الجهود الصحية ويشغل ثلث الطاقة الاستيعابية للمستشفيات الحكومية، ويتسبب في أزمة الأسرّة في المستشفيات، حيث إن نسبة الأسرّة المشغولة بمصابي الحوادث تبلغ 30 من كل 100 سرير. (انتهى الاقتباس)

إننا في حرب حقيقية يا سادة، ليست حربا ضد قيادة المركبات ولكنها حرب منا على أنفسنا، إنها حرب من غياب وعينا وثقافتنا التي أصبحت أعتى دمارا على دولتنا من الحروب، كيف نطالب بالمزيد من الرعاية ونحن نستهلك كل المصادر والموارد في أمر أغنانا الله عنه لو طبقنا شيئا واحدا "الوعي وتطوير الثقافة المرورية".

هذا الوعي وهذه الثقافة المرورية لا بد أن يرافقهما صرامة قانونية من حيث وضع الأنظمة ومن حيث تطبيقها، دون أن يترك ذلك لتباين آراء القضاة من حيث ترك المجال للتعازير غير المقننة، فقائد مخمور أو مفحط وفقا للإحصائيات المبينة في المقال هو أخطر على الدولة من عدوها الخارجي، وهو حرب على الدولة ينبغي جزّها من جذورها، وجعله عبرة لغيره، خصوصا أنها ليست المرة الأولى التي يتكرر فيها هذا الأمر، لا بد أن يتم التشديد في دراسة أنظمة المرور بحيث لا يحصل على الرخصة إلا من يستحقها بحق، ومازلت أذكر كيف عانت زوجتي وغيرها من أصدقائي وهم على مستوى عال من التعليم كي يجتازوا اختبار أنظمة المرور في كندا، وكان بعضهم يرسب أكثر من مرة قبل أن يجتازه، والنتيجة أن كندا قامت قيامتها حين بلغ عدد ضحايا حوادث المرور فيها 27 شخصا في أحد الأعوام علما بأن عدد سكان كندا هو عدد سكان المملكة.

لا بد من تفعيل المحاكم المرورية، ولا بد من إعادة النظر في الآلية التي نتعامل من خلالها مع أبنائنا عندما نشتري لهم سياراتهم، لكيلا نكون كمن يعطيهم سكينا دون أن يؤهلهم لاستخدامها.