قبل أربعين سنة كان الآباء يحرصون على تزويج أبنائهم وهم صغار السن، حيث تتراوح أعمارهم ما بين ست عشرة وعشرين سنة. كان الرجل إذا بُشرِّ بمولود يعيش وكل من له صلة به فرحاً عظيماً،

فالآباء يعتبرون أبناءهم (عزوة) يستمدون القوة بهم بعد الله. الحياة بسيطة.. الوظيفة والتعليم آخر شيء يفكرون به، فالأبناء يساعدون آباءهم في فلاحة الأرض وزراعتها ومنهم من يرعى الغنم ويتكفل بها، كما أن منهم من يهتم بالإبل وشؤونها.

وكان الرجل يكتسب جاهاً ووجاهة بعدد ما لديه من مزارع وأغنام وإبل وأبناء. كانت هذه الظاهرة الاجتماعية تمثل قبل أربعين سنة أو أكثر قليلاً الطبقة البرجوازية أو رجال الأعمال وأصحاب النفوذ – إذا جاز التعبير -، أما الآن فما الذي تغير في مجتمعنا السعودي؟ فقد أصبحت الإبل هما على مالكها وأصبح الأبناء مشكلة خطيرة على آبائهم ومجتمعهم. فالأب يعيش مرحلة قلق دائم ومستمر منذ أن يرزقه الله بمولود حتى يتمكن من إنهاء دراسته الجامعية أو يحصل على وظيفة تدر عليه مرتباً يكفيه شظف العيش. بل إن قلق الأب يظل مستمراً حتى بعد زواج ابنه، خوفاً عليه من الفشل والضياع. إن المجتمع السعودي يعيش مرحلة من التغيرات الاجتماعية الحادة.

أتذكر عندما تتيح لنا الظروف السفر إلى بعض الدول العربية قبل سنوات قليلة نلاحظ أبناءهم وقد تخرجوا من الجامعات يعملون عمالاً في مطاعم أو ما شابه ذلك. بينما البعض منهم لا يجد عملاً ويظل عاطلاً. إننا نعيش حالياً في بلادنا هذه المرحلة التي عاشها ولا يزال يعيشها أبناء بعض الدول العربية.

في تقديري لو تمت دراسة علمية مسحية للأسر السعودية في المملكة العربية السعودية فسوف نجد في كل بيت قنابل موقوتة من الذين لم يتمكنوا من القبول في الجامعات السعودية وهم حاصلون على الثانوية العامة "بنين وبنات"، كما سنجد في كل بيت ـ إلا ما ندر ـ من تحصّل على شهادة جامعية، وكلهم عاطلون عن العمل. وفي كل سنة تتضاعف المأساة وتتكاثر القنابل الموقوتة.

إن مصير الأبناء والبنات الذين لم يستطيعوا إكمال تعليمهم الجامعي والذين أكملوا على حد سواء و هم عاطلون سوف يتمردون على طاعة الآباء، وبالتالي على ضوابط المجتمع وقيمه، وبالتالي على الدولة بصفة عامة. إن هذا هو واقع المجتمع السعودي الحقيقي ومن يرى غير ذلك لا يشكلون أكثر من 5% من هذا المجتمع. إن مسؤولية الدولة واجبة وفي غاية الأهمية. حيث ينبغي تركيز الاهتمام على أبناء المجتمع حتى لا يتحول البعض منهم تحت مطرقة الفقر والفاقة والحاجة إلى مجموعات من قطاع الطرق واللصوص والإرهابيين والمتمردين على القانون العام. لابد من قرار يستوعب هذه الفئات خاصة الراغبين منهم في إكمال تعليمهم أو الراغبين في إيجاد فرصة عمل شريفة.

إن أبناءنا ضاعوا بين (حانا ومانا).. القطاع الخاص يرفضهم والقطاع العام يضع العقبات باسم المفاضلة والمعدل التراكمي، وغير ذلك من المحبطات للآباء والأمهات وللأبناء والبنات.

إن مجتمعنا يعيش مرحلة دقيقة، ولا أعتقد أن أصحاب القرار وكل صاحب ضمير في أي موقع مسؤول ينتظر تفجر القنابل الموقوتة في وجه الآباء والأمهات والوطن من أقصاه إلى أقصاه.

إن بلادنا والحمد لله تزخر بالخيرات الكثيرة والأموال الطائلة، وعلى رأس هذا الوطن قيادة حكيمة تستشعر نبض الشارع السعودي وتعمل على إنقاذ شبابنا ومجتمعنا من أن يكون كما غيرنا من بعض الدول، أوضاعهم تعيسة مع الفارق بين أوضاعهم الاقتصادية وأوضاع بلادنا. نقرأ عبر الصحافة مشاريع تنموية ضخمة ونقرأ أيضاً قرارات قوية وحكيمة، ولكن نريد أن يلمس كل بيت سعودي مفاعيل ذلك كله على الأمن الاقتصادي للأسرة السعودية. فالمملكة العربية السعودية دولة مؤثرة ومهمة على المستوى الإقليمي والدولي، فالقوات المسلحة وحدها كقطاع يستطيع ، وينبغي أن تكون كذلك، استيعاب كل فائض البطالة الضخمة التي تتطلب معالجة عاجلة وقراراً من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز وسمو النائب الثاني الأمير نايف بن عبدالعزيز، لتكون بلادنا كما نتمنى أن تكون دائماً قوية بأبنائها، قادرة على التأثير بمحيطها الإقليمي والدولي.

وحتى أكون أميناً وصادقاً أصبح الشباب السعوديون عبر لقاءات مختلفة معهم وبالصدف المحضة خارج بلادنا أجد لديهم مرارات وضغوطا مرعبة لمن يستمع لهم، حتى إن الحكيم يجد نفسه عاجزاً عن إقناعهم أو الاستمرار في محاوراتهم، نظراً لما يطرحونه من أسئلة ومشكلات يصعب على الطرف الآخر أن يجد لها حلاً مقنعاً.

كثير من الدول المجاورة لنا، ولنأخذ مملكة البحرين، مثلاً حلت مشكلة شبابها وشاباتها، فكل عاطل يحمل الثانوية أو أقل منها أو أعلى منها يُصرف له مرتب شهري لا يقل عن ألفي ريال إلى أن تتمكن الدولة من تدبير وظيفة مناسبة لمؤهله التعليمي دون عقد أو تعقيدات أو أنظمة، ظاهرها رحمة وباطنها عذاب، وأصبحت البطالة في البحرين تكاد تنتهي وتتلاشى، وهي الدولة الصغيرة التي لا يوجد عندها ثروات بترولية ولا قطاع خاص عملاق أو قطاع عام بمستوى ما في بلادنا.

إن لدينا الآن عشرات الآلاف من الحاصلين على الشهادات الجامعية والماجستير والدكتوراه لم يجدوا فرصة عمل مناسبة لما بذلوه من جهود مضنية عبر سنوات طويلة من الدراسة والتعليم، منهم من تجرع كأس الغربة ومرارة الفراق عن الأهل والوطن بهدف إكمال تعليمه ومع ذلك هم عاطلون بما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فكل دوائر الدولة ترفضهم بحجج عديدة وأغلبها غريبة.

ومنهم من يحاول البحث عن فرص عمل في القطاع الخاص و يواجه باختبارات عجيبة وغريبة يضعها ويشرف عليها أجانب، وهم لا جدال لا يرحبون بهذه القدرات السعودية المؤهلة، لأن من الطبيعي أن هؤلاء سوف يحلون محلهم عاجلاً أم آجلاً، لهذا يضعون العقبات لتحول بينهم وبين العمل في القطاع الخاص، وهذا أصبح معروفا ومعلوما لأبناء هذا الوطن. كما أن هناك مئات الآلاف من الحاصلين على شهادة الثانوية العامة الذين لم يمكنوا من إكمال تعليمهم الجامعي يعيشون مرحلة من الضياع والبطالة. وما تعرّض له زملاؤهم الجامعيون يحدث لهم تماماً، وتبقى المشكلة هي المشكلة والعقبات هي العقبات. المحصلة لدينا حالياً وفق ما نصت عليه الخطة الخمسية التي أعلنت مؤخراً أن نسبة البطالة في المملكة العربية السعودية تصل إلى 10% بينما وزارة العمل، وفق تصريحات رسمية أقرت بأن نسبة البطالة 28% بين النساء المتعلمات.

وهناك من يقول إن نسبة البطالة في بلادنا تتجاوز ما تم الإعلان عنه من أن هناك مليون إنسان سعودي حالياً عاطل عن العمل وفق أقل التقديرات، والحبل على الجرار.

إذاً المسألة تحتاج إلى حلول عاجلة قبل أن تتفجر هذه البطالة في وجه المجتمع، خاصة أن بلادنا تضم أكثر من تسعة ملايين أجنبي يعملون في مختلف القطاعات السعودية العام منها والخاص، هؤلاء جميعاً يزاحمون المجتمع في العمل وفي الطريق والمدرسة والمستشفى ووسائل النقل والسكن والمواد الغذائية، مع ما ينتج منهم وعنهم من مخاطر اجتماعية وأمنية واقتصادية، فتحويلاتهم المالية بمليارات الريالات سنوياً. فهل مجتمعنا بظروفه الحالية يتحمل مثل هذه الضغوطات؟

إن المجتمع السعودي مجتمع محب لوطنه وقيادته ولا ينزع للشر أو التمرد، ومطالبه هي في واقع الأمر بسيطة وواجبة لمن يريد أن يدركها، تتمثل في مقعد جامعي لكل شاب ووظيفة مناسبة لمؤهله التعليمي ومستشفى يتعالج فيه عند الحاجة – لا سمح الله – لا أن ينتظر موعده عند الطبيب بعد مدة قد يكون المرض أثناءها استفحل فيه أو مات، وطريق مرصوف وواسع ووسائل نقل جيدة. فهل هذه المطالب صعبة التحقق، خاصة المطلبين الملحين الجامعة والوظيفة؟