سادت حالة من التذمر والاستياء بين مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي بعد انتشار مقطع فيديو لمجموعة من الشباب يعتدون على فتيات في أحد المُجمعات التجارية بالمنطقة الشرقية.

حادثة التحرش لم تلبث ساعات معدودة إلا وانتشرت بسرعة البرق في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" وأنشئ لها وسم تويتري عنوانه: تحرش _ شباب_ بفتيات _ بالشرقية، ليصل إلى أكثر من 2000 تغريدة في أقل من 24 ساعة استنكر من خلاله المغردون مثل هذه التصرفات غير اللائقة، وطالبوا بعقوبات صارمة في حق هؤلاء المستهترين الذين لا يراعون حرمات الناس.

القضية في واقعها ليست بالجديدة على الرأي العام؛ فلعلنا نذكر قبل سنوات قضية التحرش بفتاتين بطريق المشاة بحي الملز (نفق النهضة) في مدينة الرياض، والتي استحوذت على اهتمام الكثيرين. ومما يؤسف له في التعاطي مع هذه القضايا هو محاولة البعض تبرير هذه الفعلة الشنيعة بأقوال نسمعها تلوم الضحية من قبيل السؤال عن حجابها بأدق التفاصيل، وعن وجودها في أماكن بعينها!

إنني أتساءل: ما الحل للحد من جرائم التحرش التي تنتهك كرامة الإنسان؟ الحل ببساطة يكمن في وجود نظام قانوني مستقل لمكافحة التحرش يحدد عقوبات صارمة لكل مخالفة كما هو معمول به في كثير من الدول، ولكن في الوقت الذي ينتظر الكثيرون في المملكة إقرار هذا النظام المستقل لتجريم التحرش المطروح في مجلس الشورى، فوجئنا بإدراجه ضمن نظام آخر هو (نظام الحماية من الإيذاء) بحجة أنه تشريع للاختلاط والعلاقات المحرمة على حد تعبير أحد الأعضاء! ولا أعلم ما العلاقة بين الأمرين؟! خاصة وأن المرأة اليوم باتت مشاركة في المجتمع تعمل وتدرسّ وتعالج وتبيع وتستثمر، وهذا لا يتناقض أبدا مع وضع أنظمة وقوانين مستقلة للتحرش. عمل المرأة حق والاعتداء عليها جريمة، والقانون هو الرادع، وتشتد الغرابة أكثر عندما تستمع لأحد أعضاء الشورى يتحدث على قناة فضائية بقوله: "إن التحرش لم يصل ظاهرة وحتى لو أحدث ظاهرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فإنه ليس ظاهرة على أرض الواقع"، مع أن هناك دراسة ميدانية حديثة أجرتها شركة أبحاث عالمية لصالح وكالة الأنباء العالمية "رويترز" أثبتت أن السعودية تحتل المركز الثالث من بين 24 دولة في قضايا التحرش! 

مع أنه لا توجد دولة في العالم تحتشم النساء فيها كما في السعودية، غير أن كل ذلك لم يمنع نسب التحرش والمعاكسات.

في بريطانيا ـ مثلا ـ توجد قوانين محددة وصارمة، وهي تفرق بين التحرش العلني والتحرش غير المعلن، فكل له عقوبته الخاصة، المتحرش هناك يفصل من عمله ويعاقب بالسجن خمس سنوات، أما المتحرش عن طريق وسائل الاتصال الإلكترونية فيعاقب بالسجن عامين.

من الأهمية بمكان الاعتراف بالمشكلة والإقرار بها وعدم الالتفاف عليها بطريقة أو بأخرى. ولك أن تنظر إلى هذا الشاب السعودي الذي يتفنن في التحرش تجده في الحال ذاته لا يجرؤ على القيام بذلك عندما يتجاوز الحدود السعودية، بل أكثر من ذلك فعندما تتجه مثلا للمجمعات السكنية التابعة لشركة أرامكو السعودية في مدينة الظهران بالمنطقة الشرقية، وما فيها من مراكز تجارية ومطاعم ودور سينما وملاعب تدخلها نساء لا يمكن للزائر أو الساكن أن يحاول التحرش ولو بنصف كلمة... لماذا ؟ الجواب: وجود قوانين صارمة تطبق على أرض الواقع.