المتابع لما يطرحه الشباب عبر وسائل الإعلام الجديد يلحظ بقوة قدرتهم على السخرية والتهكم بطريقة هادفة من اللغة المستخدمة في خطاب الكثير من الرسميين من المسؤولين في العديد من قطاعات الدولة خاصة أولئك الذين لا توجد في قاموس لغتهم عبارات الأسف عند وقوع الخطأ، فضلا عن أن خطابهم الموجه للرأي العام هو على حاله منذ أربعة عقود حيث أفعال التفضيل ونفي وقوع الأخطاء وعدم الاعتراف بالتقصير مهما كان حجمه.

هذا الخطاب التقليدي المستند دائما على تزكية الذات وإظهار هذه الوزارة أو تلك الإدارة أو ذاك القطاع على أنه يؤدي دائما عمله على أحسن حال، أدى إلى عدم السعي للارتقاء بالعمل في هذه القطاعات وأوجد حالة من الرضا عن واقع الحال التعيس عند العاملين في هذه القطاعات حيث إنهم لا يسمعون من قياداتهم إلا ما يفيد بتمام عملهم وجودته، ولهذا لا يسعون مطلقا إلى تطوير آليات العمل بما ينفع المتعاملين معهم من الجمهور أو البحث عما يقضي على مواقع الخلل في عملهم رغم علمهم بها لأنهم كما أسلفت لم يسمعوا من الرجل الأول في قطاعهم ما يفيد بوجود قصور أو ما يفيد بوجود نية لتطوير العمل وتلافي الأخطاء واستدراك جوانب الشكوى فكل شيء تمام في تمام.

هذا المنهج المتبع في التعامل مع الرأي العام والذي لا يعترف بوجود أخطاء ولا يقبل بالنقد أظهر لنا أمرا أعظم مما نشتكي منه، فقد باتت ظواهر كثيرة منتشرة بل ومستشرية وتتفاقم يوما بعد يوم، وكل ظاهرة أعظم من أختها، ورغم ذلك يظهر ذات المسؤولين أو من هم في فلكهم وفي محيطهم ليستخدموا نفس لغة ذلك الخطاب الذي اشتكينا منه زمنا طويلا قائلين إن ما حدث هنا أو ما وقع هناك (لا يمثل الشعب السعودي)، ولست أدري يمثل من إذن؟ هل يمثل شعب نيكاراجوا مثلا؟

وسائل الإعلام المحلية التقليدية والجديدة تزدحم بالأخبار والصور والقصص والمقالات ومقاطع الفيديو التي تتضمن ممارسات خاطئة وسلوكيات مشينة وحالات تعامل لا إنسانية لأناس منا، ورغم ذلك يصر أولئك على لغة النفي واعتبار كل ما يحدث وما يرصد وما ينشر على أنه حالات فردية، وأنه لا يمثل الشعب السعودي، ولهذا تزداد تلك الحوادث وتلك الظواهر ويزداد الوضع سوءا لأن أولى خطوات الحل هو الاعتراف بوجود المشكلة، وهذا ما لا نريد الأخذ به لأننا عودنا أنفسنا على لغة ذلك الخطاب الذي يظهرنا على أننا الأفضل بينما - كما أسلفت - الإعلام الجديد يفضحنا يوميا بالصوت والصورة مثبتا خلاف ذلك.

ولهذا ينبغي شطب عبارة (هذا لا يمثل الشعب السعودي) من قاموس خطابنا التبريري لأنه إن كان كل هؤلاء لا يمثلوننا على كثرتهم فهم يمثلون من؟ ثم علينا البحث عن الحلول التي لن تفلح ولن تنجح إلا بعد الاعتراف بوجود تلك المشاكل، وأن من قاموا بها ومارسوها وارتكبوها منا وفينا، لأننا مثل كل البشر في هذه الدنيا نؤثر ونتأثر، نخطئ ونصيب، ننجح ونفشل، وفينا السوي وفينا غير ذلك.