عايشت صحيفة الوطن فكرة "وإنشاء و"مسيرة".. وقد قدر لي أن أزور الأمير خالد الفيصل أمير منطقة عسير آنذاك في فندق صحارى بالرياض قبل 35 عاماً، ووجدت عنده معالي الأستاذ فهد بن خالد السديري، وكان في ذلك الوقت وكيلاً لوزارة الإعلام، وأثار الأمير خالد الفيصل حاجة المنطقة الجنوبية إلى صحيفة في منطقة عسير.. ودار الحديث حول هذا الموضوع، ثم تابع الأمير خالد الفيصل مطالبته طوال السنوات المتتالية حتى تحقق له هذا الحلم على يد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حفظه الله، وكان آنذاك ولياً للعهد...

كانت فكرة الجريدة رائدة، وبذل الأمير خالد قصارى جهده على مدار عقدين من الزمن أو أكثر لاستصدار الموافقة، ولكن يبدو أن هناك بعض الأسباب التي أسهمت في تأخيرها، ومن ضمن تلك الأسباب أن اسم الصحيفة المقترحة في البداية كان يحمل اسم (عسير)، وقد يفهم منه الإقليمية أو المناطقية الضيقة...

وتجددت المطالبة ورفعت إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وكان لا يزال ولياً للعهد، بيد أن المبررات لم تكن كافية عند مقامه الكريم، فأعيدت بعدم الموافقة...

بعد ذلك اجتمعت أنا والشيخ عبدالعزيز أبو ملحة، والأستاذ محمد بن عبدالله الحميد، والفريق محمد بن عامر، رحمه الله، وتقدمنا بطلب بصفاتنا الشخصية إلى مقام ولي العهد آنذاك الملك عبدالله بن عبدالعزيز أوضحنا فيه أهمية هذا المطلب كرافدٍ من روافد الثقافة والتنمية في وطننا الغالي. ذهبنا إلى الديوان الملكي لتقديم الطلب، وكان الملك عبدالله بن عبدالعزيز، كما عرفناه، يقبل الأفكار البناءة ويصغي لمطالب المواطنين، ولكنه كان دقيق الملاحظة، سريع البديهة، فأول ما بادرنا به السؤال عن اسم الصحيفة المقترحة، ولم يكن عندنا جواب جاهز متفق عليه، فأرجعنا الأمر إلى مقامه الكريم بتسميتها بما يراه، ولكنه أعاد علينا السؤال ووجهنا بتحديد اسم الصحيفة، نظر بعضنا إلى بعض وفهمنا أن مقامه الكريم يريد لها اسماً لا إيراد عليه، فاقترحنا تسميتها "الوطن" وشرح الله صدره لهذه التسمية الجديدة، فأصدر أمره الكريم بالموافقة عليها.

وعند زيارة خادم الحرمين الشريفين لمنطقة عسير عام 1419 وكان لا يزال ولياً للعهد، تم افتتاح "الوطن" في احتفال كبير، وكان في اليوم الذي قبله قد وضع حجر الأساس لجامعة الملك خالد بأبها. وكان لي شرف المشاركة بإلقاء قصيدة أمام مقامه الكريم عن صحيفة الوطن، ومن أبيات تلك القصيدة ما يلي:

بالأمس أرسيت الصروح شوامخاً والجود في أرض الكرامة يزرع

واليوم تزدحم المشاعر جمة يهفو لكم قلب ويصغي مسمع

أرسيت للفكر القويم منارة في قلب (أبها) بالأصالة تنصع

أسميتها (الوطن) الحبيب فألبست تاجاً فريداً بالجمان يرصع

وبها الفنون الراقيات تألقت ولها الميادين الفساح توسع

هي منبر للخير في أوطاننا هي للثقافة والبلاغة مرجع

نامت محصنة الجوانح برهة والخاطبون تشوفوا وتجمعوا

لكنها في خدرها مكنونة ولغير فارس حلمها لا تطلع

تمشي رويداً في خمائل دلها لكنها يوم التنافس أسرع

سحناتها عربية وطنية ومحيطها بين العوالم أوسع

أنت الذي أرسيتها ورعيتها حتى استبان لناظريها المهيع

ووضعتها في كف شهم (خالدٍ) أمضى جهوداً في المحافل ترفع

ما زال يسقيها بنبع فؤاده والفيض من نبع المشاعر يرجع

لتكون نبراساً على درب الهدى ولها على الجمهور باب مشرع

والقصيدة بكاملها منشورة في ديواني (أسمار الوطن) ص95... كانت فرحتنا بولادة صحيفة الوطن غامرة، وكنا نطمح إلى التواصل معها باستمرار، وما زلنا نطمح إلى ذلك، مع اعتزازنا

بهذه الصحيفة وما تقدمه، وتمنياتنا لها باستمرار التألق.