أطاح قاض بنزاهته، حين قبل "الرشوة".. فأطاح به القضاء في ساحة العدالة.

الوضع الطبيعي، أن يعود الإنسان "المجرم" إلى رشده، ويسعى إلى الخروج من صفته بعد أن يُعايش العقوبات.. وغير الطبيعي أن ينجرف "الإنسان" الحكم الذي يعاقب المجرم، إلى طريق الإجرام مهما كانت المغريات.

المتواتر أن تسعى الجهات الأمنية للقبض على لص بـ"الجرم المشهود" لتقدمه لعدالة القضاء؛ لينال جزاء إجرامه، لكن الغريب أن يكون الصيد "قاضيا" وبـ"الجرم المشهود".. لأن القاسم المشترك أن كل "مجرم" لا بد أن يقع في شر أعماله.

لكثرة ما قُبض على مجرمين "لصوص وفاسدين.." بالجرم المشهود؛ لم يعد لأخبار القبض على المجرمين مكان في مقدمة الأخبار اليومية.. لكن استطاع "منصب" المجرم أن يحتل مكانا على أولى "الوطن".. حيث تصدر خبر الإطاحة بقاض بجرم الرشوة المشهود الأخبار؛ لأنه يستحق التقديم، ليس لغرابته، بل ليكون رادعا لكل من تسول له نفسه الإجرام حتى لو كان بعيدا عن الشبهات ويمتلك "حصانة"!

تفرح كثيرا حين ترى دليلا على "المساواة" بين الجميع على أرض هذا الوطن.. تفرح أن يعاقب كل مرتش، لكني أعتقد أن من "المساواة" معاقبة القاضي المرتشي ضعفي عقوبة المواطن المرتشي؛ لأنه مُقيّم العدالة؛ ولأن غلطة الشاطر بعشرة.

ربما كانت كلمة "أطاح" أجمل كلمة في الخبر، الذي أكد أن المجلس الأعلى للقضاء أطاح بأحد قضاة محكمة الرياض، متلبسا بقضية رشوة، بالتعاون مع إحدى جهات التحري، وقام برفع الحصانة عنه؛ تمهيدا للتحقيق معه ومحاكمته على فعلته التي تخالف نزاهة القضاء.

ورغم أنها حالة نادرة جدا، إلا أن "سقوط" القاضي المرتشي في قبضة العدالة فيه إساءة كبيرة لوجه العدالة من أحد أهلها، وفيه تجميل لوجه العدالة ومؤشر جديد في مسيرة وزارة العدل، يؤكد مساعيها لتطبيق العدالة حتى على نفسها وأفرادها.

كنت فقط أتمنى أن يخرج المتحدث الرسمي لوزارة العدل ليكشف التفاصيل، خاصة أنه مضى على الحادثة أكثر من أسبوع، بدل أن تصمت إدارة الإعلام بوزارة العدل رغم وعدها لـ"الوطن" بالرد؛ لأن الخبر مؤشر جديد، ويحسب نجاحا لوزارة العدل؛ لأنه لا أحد فوق القانون والعدالة.

(بين قوسين)

انتقاد "قاضٍ مرتش".. مديح لنزاهة جهاز قضائي.