هناك ثقافة ينشرها الإعلام، وكذلك القصص والروايات الرومانسية، أحب أن أطلق عليها "ثقافة الأرانب"، حيث تنتهي القصة دائما بجملة "نعيش في تبات ونبات ونخلف صبيانا وبنات.." والتي كانت وما زالت تساعد في إقناع الجماهير أن الهدف من الحياة هو الكمون في منطقة الثبات والنبات، وهو شيء لم يجلب للعالم إلا مزيداً من الكائنات المستأنسة التي لا تقدم لنفسها ولا لغيرها إلا كونها رقما في التعداد السكاني.

بالرغم من توقف الضجيج وتصاعد العنف اللفظي والنفسي الذي تعرضنا له كنساء عندما تحدثنا عن مطلب قيادة السيارة إلا أننا تعاملنا مع موجة العنف هذه بتفهم كبير. الآن نحن في مرحلة ما بعد العاصفة الهوجاء التي نالت من النساء في قلب كرامتهن ما بين قذف وادعاء وتجريح وتشويه سمعة. كل هذا لأن هناك من حاولن الخروج من ثقافة الثبات والنبات والملكة المصونة المخدومة المحشومة. في الوقت نفسه لم تكن ثورة الدفاع عن الكائن المستأنس الذي لا يرغب في شيء، ولا يريد غيره أن يطالب بشيء قصرا على الرجال وحسب؛ بل إن النساء من داخل منظومة الثبات والنبات كن أكثر شراسة ودفاعا عن وضعية الصامت التي هن عليها.

أن نعتب على أحد أو شريحة كبيرة من المجتمع فإن العتب بقدر المحبة وبقدر الوجع، فإن تجند الأقلام وتسن الألسن للنيل من المرأة السعودية من الداخل لهو عار على كل من سولت له نفسه أن ينال من بنات بلده، بل إن البعض اجتهد ونشر مقاطع تتراوح بين الدونية في الطرح والغباء والقذف الصريح، كما في مقطع اليوتيوب الذي صوره المدعو مرعي المعروف بنجم الكيك، هذا قبل أن يصبح الآن بنظر كل نساء المملكة اللواتي هن أهله قبل كل شيء شخصا بدون قيم، ومعتديا إعلاميا، ونجما معتما، وأقل ما يجب أن يتخذ من إجراء حيال ما قام به أن توجه له قضية قذف نساء مجتمع بأكمله بعد أن جادت قريحته بكل هذا السوء.

هنا؛ وليس في مكان آخر من العالم يحدث أن تتعرض المرأة لاضطهاد فكري لمجرد الاختلاف البيولوجي، ولأن فكرة الحقوق والمطالبة بها مسألة مستبعدة ومشكوك فيها إن صدرت من المرأة. بالإضافة إلى أن هناك التباسا مخيفا لمفهوم التحرر، خاصة فيما يتعلق بتحرر المرأة، علما أن المرأة اليوم قادرة على الاختيار وتحمل مسؤولية اختياراتها.

إن مشكلة المرأة هي مشكلة جيل يبحث عن مفاهيم أخلاقية جديدة تنبع من ضميره وتأتي من إدراكه لأهم القيم الإنسانية. إن مشكلة المرأة هي مشكلة الرجل أيضا، وتتمثل في قوى الرجعية والتخلف التي ظلمتهما معا.