لإخفاقها الذريع في إدارة دفة العولمة الفضائية لصالحها، واعتقاداً منها بأن شعوب العالم لا تتابع برامجها الهزيلة وحواراتها الفاشلة ومسلسلاتها الهابطة، تتمادى أغلب الفضائحيات العربية بإخفاقاتها أمام العالم أجمع، وتتباهى بقدراتها الفائقة على استباحة عقولنا وتشويه صورتنا، وتزداد إصراراً على نشر الإشاعات والفتن بين شعوبنا وتنمية الصراعات بين أوطاننا.
اليوم أصبحت جُلّ برامجنا الهزيلة أقرب إلى التقليد الأعمى اسماً ومضموناً، وانحدرت أكثر حواراتنا الفاشلة إلى أسوأ مستوياتها بسبب تدني آداب المُحاور وانعدام أصول الحوار، وغدت معظم مسلسلاتنا الهابطة موجهة على الهواء مباشرةً لمحاكاة التخلف العقلي ومناجاة التأفف العاطفي.
وعلماً بأن علماء الفلك العرب كانوا قبل 1000 عام أول من اكتشف المعنى اللغوي لكلمة "ساتل"، دلالةً منهم على تتبع الأجسام الفضائية للأجرام السماوية وتفسيراً لدورانها في فلك بعضها البعض، فاعتبروا أن القمر ساتل للأرض، والأرض ساتل للشمس، إلا أن هذه الكلمة العربية اندثرت في القرن الماضي من قاموس الضاد ودخلت القاموس الإنجليزي لتتحول إلى كلمة "ساتليات" إشارة للقمر الصناعي أو "الساتل" الفضائي الذي يدور في فلك الأرض.
وبينما استفادت شعوب العالم من الأقمار الصناعية وحققت أهدافها من خلال التقاط وبث الإشارات بسرعة تفوق 300 ألف كيلومتر في الثانية لعولمة خدمات الاتصالات والمراقبة والأرصاد والملاحة والاستكشاف والتجسس، أخفق العالم العربي كعادته في تحقيق الحد الأدنى من أهداف هذه الأقمار. اليوم تفتخر روسيا بأنها أول من أطلق قمراً صناعياً باسم "ساتل سبوتنك" في عام 1957، تبعتها أمريكا بإطلاق "ساتل إكسبلورار" في عام 1958، ثم كندا بإطلاق "ساتل ألويت" في عام 1959، ليصبح مجموع الأقمار الصناعية في العام الجاري 13000 ساتل، يعمل منها 2675 فقط، وتشمل 1335 ساتلا روسيا و741 أمريكيا و89 أوروبيا و66 يابانيا و27 صينيا و20 هنديا و12 إسرائيليا و7 أقمار صناعية عربية فقط.
لضعفه الشديد في مواجهة التحديات العالمية، أخفق الإعلام العربي في توجيه دفة العولمة الفضائية لصالحه، مما أدى إلى تغلب تياراتها العشوائية على وطننا العربي واستباحة مجتمعاتنا المدنية، لاسيما فيما يتعلق بالجانب الإعلامي. جميع الدراسات الحديثة تشير إلى أن الفضاء امتلأ بالأقمار الصناعية، التي أصبحت تبث برامجها وحواراتها ومسلسلاتها من خلال قنواتها الفضائية، ليتجاوز عددها الإجمالي 11800 قناة فضائية تلفزيونية، منها 719 فضائية عربية. ويستحوذ القطاع الخاص العربي على ثلاثة أرباع عدد الفضائيات العربية بنسبة 76% بينما يشكل القطاع الحكومي 24% فقط، حيث جاءت مصر في مقدمة الدول العربية كمقر رئيسي للفضائيات بنسبة 19% من مجموع الفضائيات، وحلت الإمارات في المرتبة الثانية بنسبة 14%.
وأوضحت هذه الدراسات أن عدد الهيئات العربية، التي تبث البرامج الفضائية على شبكاتها، بلغ خلال العام الجاري 398 هيئة، منها 26 هيئة حكومية و372 هيئة خاصة، وتستعمل لذلك 17 قمرا صناعيا عربياً وأجنبياً. وحازت البرامج الغنائية والموسيقية على نسبة 24% من مجموع القنوات الفضائية العربية بينما جاء قطاع المسلسلات في المرتبة الثانية بنسبة 14% ثم الرياضية بنسبة 12% والإخبارية بنسبة 7%، فيما حلت القنوات الدينية في المرتبة الأخيرة بنسبة 8%. ولكن تردي مستوى الفضائحيات العربية منح دول العالم الفرص الثمينة في استهداف المنطقة العربية من خلال بث برامجها الأجنبية باللغة العربية عبر القنوات الفضائية المجانية، التي بدأت تنمو بنسبة كبيرة فاقت في العام الجاري 600% ليصل عددها إلى 716 قناة فضائية في الشهر الجاري. وأصبحت القنوات الفضائيات الشيعية من أكثرها لتصل أعدادها إلى 56 قناة موجهة للعالم العربي.
في عصر العولمة الفضائية، تراجعت قدرات الإعلام العربي في تسليط الضوء على تحديات المجتمعات المدنية وفشلت الفضائحيات العربية في خدمة قضايا وأهداف قضايانا المصيرية. عوضاً عن تصحيح صورتنا العربية أمام العالم أجمع، أخفقت هذه الفضائحيات في اختراق الرأي العام الدولي بسبب غياب الإرادة المؤمنة بالقضايا العربية، علماً بأنها نجحت في دغدغة مشاعر الشعب العربي وأثرت سلباً على أفكاره وعقله.
فشل الفضائحيات العربية في مهامها أدى إلى نجاح الإعلام الغربي في جذب الفكر العربي واستباحة عقله وتأجيج الفتن والصراعات الداخلية بين مجتمعاته، مما أسهم في استمالة الفكر العربي وتسليط الأفكار الليبرالية المشوهة عليه وإقناعه بنبذ ومقاطعة الإعلام العربي. لذا أصبحت مسيرة الفضائحيات العربية في عصرنا محكومة بمحدودية أجنداتها الداخلية فأثبتت مؤخراً عجزها في توحيد أهدافنا وتوجيه رسالتنا الإعلامية لشعوب العالم، مما أدى إلى انفراد وسائل الإعلام الغربية في الساحة الإعلامية العربية المفتوحة على مصراعيها لتقدم لنا ما تريده ولتشرح المواقف التي ترى أنها تخدم توجهات العالم الغربي وتطلعاته.
العولمة الفضائية أخذت على عاتقها فتح حدود قطاعي الاتصالات وتقنية المعلومات، لتصبح شعوب الوطن العربي رهينة أدوار الفضائيات الإعلامية الدولية التي جعلت من البعيد قريباً ومن المخفي مكشوفاً. وعلى مؤسساتنا الإعلامية العربية أن تسعى جاهدة لتعزيز قدراتها وتطوير طاقاتها وخبراتها لوضع قضايانا المصيرية على طريق الحيادية بشكل أكثر ثباتاً من ممارسة أي ضغوط مباشرة أو غير مباشرة. وإذا أخذنا في الاعتبار قوة بعض هذه الفضائيات في جذب الأفكار والعقول، فإن الأنظمة الإعلامية العربية في حاجة ماسة لإعادة هيكلتها ورفع مستوى حواراتها وبرامجها حتى لا تفشل في جذب العقول إليها بالأولوية الإعلامية المطلقة.
استباحة العقول على الهواء مباشرة لا تخدم مصالحنا المصيرية.