-1-

من "النخبة"، في أية أمة من الأمم؟

النخبة Elite مفردة، جمعها "النخب"، وتعبِّر كلمة النخبة عن طبقة معينة أو شريحة منتقاة من أي نوع عام. وهي تعني أيضا الأقلية المنتخبة أو المنتقاة من مجموعة اجتماعية، تمارس نفوذا غالبا في تلك المجموعة، بفضل مواهبها الفعلية، أو الخاصة المفترضة.

ولا يمكننا الحديث عن النخبة، إلا في داخل أحد فروع النشاط. وسيكون لدينا عدد من النخب بقدر ما سيكون لدينا من أنشطة.

وتعدّ "نظرية النخبة السياسية"، من أهم موضوعات "علم الاجتماع السياسي"، التي كان من بين مؤسسيها الفيلسوف الألماني ماكس فيبر 1864-1920، من خلال دراسته لتطور النظريات السياسية، وعلاقة ذلك بالمجتمع، إلا أن تطور هذه النظرية قد توقف، عندما وُجهت سهام النقد لهذه النظرية، فضلا عن النظريات الديموقراطية؛ لأن "نظرية النخبة"، تشكك بالصحة العلمية لكلا النظريتين.

وكان من رواد "نظرية النخبة" في نهاية القرن التاسع عشر، عالم الاجتماع الإيطالي فيلفريدو باريتو 1848-1923، الذي عَرَّف الفرد المكوِن للنخبة، بأنه الحاصل على أعلى درجة في قدراته المهنية، وأنه مع مَنْ على شاكلته، يكوّنون طبقة اجتماعية اسمها "النخبة". إلا أن باريتو لم يقف عند حد "النخبة"، بل تجاوزها إلى تحديد أدق، وتحدث عن الجماهير "الدهماء" كنخبة أخرى.

ويقال إن باريتو، قد استعار هذه القسمة الثنائية بين النخبة والجماهير "الدهماء" من عالم الاجتماع الإيطالي جايتانو موسكا 1858- 1941.

ويرى باريتو، أن النخبة، هم أولئك الذين يتفوقون في مجالات عملهم، في "مباراة الحياة". وحين يجد باريتو أن هذا التعريف مستوف، يستدرك الأمر، وينتقل إلى المجال الأضيق في تعريف النخبة، فيقوم بربط مفهوم النخبة الاجتماعية، بقدرة هؤلاء المتفوقين على ممارسة وظائف تكوِّن منهم طبقة.

ثم جاء العالم ميشيل روبرتو، وعرَّف النخبة من خلال واقع العمل السياسي، ليكتشف أن هناك عوامل متباينة، تحدد طبيعة عمل التنظيمات.

-2-

وكان عالم الاجتماع الأميركي الآخر رايت ميلز 1916-1962، من خلال دراسته لمجتمع الولايات المتحدة الأميركية، قد ربط بين النخبة وقدرتها على التحكم بموقع اتخاذ القرار، فهي نتاج للبناء المؤسساتي للدولة، وقد وجد أن مؤسسات ثلاث هي المتحكمة في أميركا. وهي العسكرية، والسياسية، والشركات الكبرى. وهذا معناه، أن النخبة تتشكل من أولئك الذين يشغلون مواقع قيادية في هذه المؤسسات.

-3-

ومع بزوغ فجر إصلاح التعليم في أوروبا، في القرن التاسع عشر، وظهور الثورة العلمية والتكنولوجية في القرن العشرين، نشأت ظاهرة الثقافة السياسية الجماهيرية، أي الجماهير القارئة، التي عاداها المحدثون إلى حد مطالبتهم النخبة بأن تعتزل الجماهير "الدهماء". وكان أشهر داعية لهذا الاعتزال ـ كما يقول الفيلسوف المصري المعاصر مراد وهبة ـ هو الفيلسوف الإسباني أورتيجا إى جاسيت 1883- 1955.

وفى رأي إي جاسيت، أن الجماهير "الدهماء" قد ارتقت إلى السلطة الاجتماعية في الدولة الحديثة. ومن هذه الزاوية، يقول "إى جاسيت"، إن الدولة الحديثة مهدِدة للحضارة؛ لأن الجماهير "الدهماء" تعاملت معها على أنها وسيلة لإشباع الملذات المادية، ولكنها في المقابل كانت متجهة إلى سحق الفرد.

وكان "إى جاسيت"، متأثرا بآراء الفيلسوف الألماني نيتشه 1844- 1900 في كتابه "إرادة القوة".

-4-

وعلى الضد من "إى جاسيت" يذهب عالم الاجتماع الفرنسي جوستاف لوبون 1841-1931 في كتابه "مسلك الدهماء في دراسة في العقل الشعبي"، الذي تأثر به فرويد في كتابه "سيكولوجيا الجماعة وتحليل الأنا".

ولوبون في كتابه "سكيولوجية الجماهير" الذي ترجمه المفكر السوري/الفرنسي هاشم صالح، يرى أن الجماهير "الدهماء" لا تعقل، فهي ترفض الأفكار أو تقبلها كلا واحدا، من دون أن تتحمل مناقشتها. وما يقوله لها الزعماء، يغزو عقولها سريعا، فتتجه إلى أن تحوله حركة وعملا. وما يوحى به إليها، ترفعه إلى مصاف المثال ثم تندفع به، في صورة إرادية، إلى التضحية بالنفس.

إن الجماهير، لا تعرف غير العنف الحادّ شعورا. فتعاطفها لا يلبث أن يصير طقسا يوميا، ولا تكاد تنفر من أمر ما، حتى تسارع إلى كرهه، أو محبته.

والدهماء ـ في رأي لوبون ـ تتسم بالعاطفة مع الغباء، وهي في الوقت نفسه، من أسباب اشتعال الثورات؛ لأنها خالية من الإحساس بعظمة الحضارة.

وبناء عليه قال هتلر: "إن الجماهير، مثل امرأة في انتظار مَنْ يغازلها".

ومعنى هذا القول، إن الجماهير "الدهماء" مسؤولة عن ظهور الطاغية، والخضوع له. وبهذا المعنى، يمكن القول، إن قتلة فرج فودة، وحسين مروة، ومهدي عامل، والداعية السوداني المفكر والمجدد محمود محمد طه، ومَنْ حاولوا قتل نجيب محفوظ، كانوا أداة طيعة في قبضة نخبة سيئة الطوية.

ويطرح الفيلسوف المصري المعاصر مراد وهبة السؤال التالي:

- ما الذي تفعله نخبة سيئة الطوية، كي تدفع الجماهير "الدهماء" إلى قتل مَنْ تريد؟

ويجيب:

- تُفرغ عقل الجماهير من كل ما اعتادت عليه من أفكار، ثم تشحنه بأفكار مِنْ عِنْدها، ولكنها توهم الجماهير بأنها أفكار قيّمة، وبعد ذلك تدفع الجماهير "الدهماء" إلى تكفير مَنْ تقرر تكفيره.