رغم كل ما يقال عن الأثر السلبي على الخدمات من جراء تصحيح وضع العمالة غير النظامية الأجنبية في المملكة العربية السعودية، إلا أنها من جانب البعد الاقتصادي، لها إيجابيات كبيرة على اقتصاد المملكة أولاً، وعلى اقتصاد القطاع الخاص ثانياً، وعلى المجتمع بأكمله، وهي حقيقة واقعية توصلت إليها نتيجة تحليل اقتصادي بسيط يوضح لنا أن العمالة غير النظامية في المملكة تسبب أضرارا اقتصادية كبيرة، كونها تستنفد احتياطي الوطن من النقد الأجنبي، وتحد من تراكم وتكوين رأس المال في داخل الوطن، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى المؤسسات أو على مستوى الاقتصاد الوطني ككل.
فهل يعلم رجال الأعمال أو رجال الفكر والعلم أن العمالة الأجنبية النظامية في المملكة تقوم بتحويل 28.5 مليار دولار سنوياً خارج الوطن؟ وذلك حسب إحصائيات الأعوام الثلاثة الماضية، حيث حصلت المملكة على المرتبة الثالثة عالمياً في عام 2012، بين الدول المصدرة للتحويلات النقدية وفقاً لتقرير البنك الدولي الذي يتوقع أن تصل التحويلات النقدية للعمالة الأجنبية في المملكة إلى 54,5 مليار دولار في عام 2015، وهذا سيسهم في تنمية الدول المرسلة للعمالة ويسهم في الحد من الازدهار الاقتصادي للمجتمع في المملكة.
ويعد الاقتصاد السعودي أكثر وأهم الاقتصادات الجاذبة للعمالة الوافدة من مختلف أنحاء العالم؛ حيث التنمية ومشاريعها في مختلف المجالات، كما يعد القطاع الخاص أكبر حاضن لهذه العمالة، إذ يعمل فيه 90% من العمالة الوافدة، نظراً لعدم إقبال السعوديين على بعض وظائفه التنفيذية أو الأقل منها، ولرخص هذه العمالة مقارنة بالعمالة السعودية، بالإضافة إلى مزاولتها العمل في ظل جميع ظروف العمل القاسية، والأجور المتدنية وعدم الالتزام بساعات عمل محددة حسب نظام العمل، ولهذا نجد أن العمالة الوافدة تشغل 42% من إجمالي الوظائف المتاحة في القطاع الخاص والعام، مما أسهم في الحد من تشغيل العمالة السعودية، وارتفاع نسب البطالة وارتفاع نسب الفقر، واقتصادياً تعدى الأمر إلى أن ذهب إلى التأثير على احتياطي العملات الأجنبية في المملكة؛ فحسب تقارير صندوق النقد الدولي، فإن حجم التحويلات من العمالة الأجنبية في المملكة خلال الفترة من 2000 إلى 2010 قدرت بحوالي 194 مليار دولار، ويتوقع بعض الاقتصاديين أن يصل حجم الاقتصاد الخفي في السعودية إلى (330) مليار ريال في العام الحالي، ويُقصد بالاقتصاد الخفي الاقتصاد غير النظامي، ومنه التستر وهو الأغلب ثم العمالة غير النظامية وغيرها.
وحسب بعض الإحصائيات، فإن حجم التحويلات الأجنبية شهرياً يصل هذا العام إلى 15 مليار ريال، وبهذا تكون المملكة سجلت الرقم الأعلى في دول العالم. وللحقيقة استوقفتني تصريحات مسؤول قال: إن هناك مليون عامل استغنت عنهم المملكة خلال العام الماضي بناء على برامج التصحيح وضوابط السعودة، وهو رقم عال، ويتوقع بعض المسؤولين أن يتم الاستغناء عن مليوني عامل نظامي وغير نظامي في العام القادم.
و"بحسبة" بسيطة لحجم التحويلات لمليون عامل في السنة بمتوسط دخل شهري نظامي أو غير نظامي حوالي ثلاثة آلاف ريال (راتب وبدلات أخرى)، وإذا افترضنا أن كل مقيم يصرف 25% في المملكة من دخله الشهري و75% تتحول إلى بلاده، فإن حجم النقد المحول من مليون عامل يساوي 36 مليار ريال سنوياً، ولو تم توطين هذا المبلغ عن طريق توطين وظائف العمالة الأجنبية، فإن الاقتصاد الوطني سيتأثر إيجاباً من نواح عديدة؛ منها رفع نسب تشغيل العمالة السعودية، ومع تطبيق الحد الأدنى لأجور العمالة السعودية، فإن إجمالي المبالغ سيتضاعف، وبالتالي ستزداد نسب الإنفاق على جميع القطاعات، وستنمو بنسب متفاوتة، حسب حجم إنفاق الفرد السعودي عليها، سواء أكانت الغذاء أم السكن أم العلاج أم التعليم وغيرها من القطاعات الأخرى التي يديرها القطاع الخاص.
وبالتالي، فرسالتي إلى القطاع الخاص هي: أن التخوف من ارتفاع تكلفة العمالة السعودية، سيقابله مضاعفة حجم إنفاق العامل أو الموظف السعودي في السوق السعودية، وهذا سينعكس إيجاباً على جميع أنشطة القطاع الخاص، وسيسهم في زيادة نسب نمو القطاع الخاص، نظراً لزيادة الطلب على بعض القطاعات، وتوطين النقد سيسهم في زيادة ونمو الاحتياطات من النقد الأجنبي سنوياً، وسينمو هذا الرقم سنوياً مع زيادة نسب توطين الوظائف.
أعلم جيداً أن البعض من القطاع الخاص والناس، متضايقون من خطة وأسلوب تصحيح العمالة، وستظل العمالة الأجنبية وغير النظامية تضغط على أفراد المجتمع، لإثارتهم ودفعهم إلى معارضة القرار، حيث أدى غيابهم عن بعض الخدمات الأساسية إلى تعطل بعض التسهيلات التي كان يحصل عليها المواطن، إلا أنني أؤكد لهم أنها أزمة مؤقتة وستزول وسنعتاد القيام ببعض الخدمات بأنفسنا، أو نعيد أسلوب وطريقة حياتنا من الاتكالية على الغير إلى الاعتماد على النفس، وخروج أصحاب المؤسسات الصغيرة للعمل بأنفسهم في مؤسساتهم، سواء كانت تجارية في تجارة التجزئة أو بعض الخدمات الأخرى، وسيكتشفون أنهم كانوا غائبين عن أرزاقهم، فإذا كان التستر يعطيهم مبلغا مقطوعا سنوياً أو شهرياً، فإن إدارة العمل شخصياً ستضاعف لهم دخلهم عشرات المرات بل المئات.
إن سوق العمل في المملكة مريض، ومرضه متجذر في جسمه ولا يمكن علاجه إلا بعمليات جراحية. مع كامل تقديري واعتزازي واحترامي للعمالة الأجنبية النظامية التي شاركت معنا في بناء التنمية في بلادنا وسنظل نذكرها ما حيينا.