لا يعادل لذة أن تسجد لفاطر السموات والأرض وتتقرب منه مذللا نفسك، ممرغا جبينك ممعنا في التوسل فتشعر بهيبة الخلوة وروعة القرب، ويعزلك الخشوع ويقطعك عمّن وعمّا حولك حتى لتظن أن ليس على البسيطة من مخلوق سواك، فتشعر بخصوصية اللحظة وتتلمظ شهد التعبد وتطمئن لقربه – جل و علا – حتى يخيل إليك أنك تسجد على السماء لا على الأرض وتشعر ببشائر الاستجابة غيوما تزدحم في شرايينك وبرقا يلوح في جبينك ولؤلؤا ينهمر من عينيك وينثر على كفيك ربيع الرضا فتمسح وجهك بدمعك وتتنهد زفرة تخرج ما تبقى من همك وتسلم، فإذا بالأخ المجاور يلتفت إليك قائلا: "ما شاء الله عليك أفرغت شحنات الجوال لعام كامل!"، فيدهشك بؤس التوقيت وغرابة التعليق ويواصل ناصحا: " السجود الطويل مفيد صحيا، لأنه يفرغ الرأس من الشحنات الضارة التي يسببها استخدامنا للجوالات وهذه دراسة علمية مثبتة. يا أخي، سبحان الله ما أمر الله بشيء إلا له فائدة!"

من السهل جدا أن تستوعب هذه المعلومات التي حفظها – جزاه الله خيرا – لكن مهمتك ليست سهلة أبدا إن أحببت أن تصف له سرَّ سجودك الطويل، وما قلته لربك وما بثه في روحك من يقين وانشراح، ولست ملوما لو رأيت أن حماس هذا الناصح لمعلوماته سيتواصل في كل التفاصيل التي ستذكرها حتى ليفسر اطمئنانك وارتياحك بخروج أرواح الأشعة الشريرة من جسدك!

هذه الدعوات التي تظهر من حين لآخر مغرية المسلمين بعمل العبادات طلبا للفوائد الصحية، خطرها الروحي و العقدي كبير جدا، فتخيل أنك تسجد طويلا لأنك تلقيت مكالمة طويلة على جوالك وسجودك على قدر الضرر المتوقع، كيف تسلم من خدش النوايا؟ ومن يعوضك شهد السجود ولذة القرب؟

لا أدري لمَ تُعلْمنْ العبادات و تُفلسف المشروعيات، و الأمر في غاية البساطة أن الله يأمر ونحن نمتثل لطاعته صاغرين، ومن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط!

مع الأسف تسربت روح عصر المادة والجسد حتى للنصح الديني وصارت مصالح الجسد و صحته جزءاً من حيثيات العبادة وفوائدها التي تصارع اطمئنان الروح لبارئها، فإن لم تسجد لأن أقرب ما يكون العبد لربه ساجدا ولئلا تفوت على نفسك لحظات تساوي عمرك بأكمله فاسجد – كما يرون - من أجل شحنات الجوال !