منذ زمن لم يعد موقع "يوتيوب" مجرد موقع يضع الناس عليه مقاطعهم المرئية ليتابعها الآخرون صوتا وصورة، بل توجه الكثير إلى الإنتاج البرامجي الاحترافي أو شبه الاحترافي؛ ليكون منبعا لعدد غير قليل من القنوات الشخصية أو الجماعية الهادفة إلى غاية بعينها، فحقق البعض حلم الوصول وما زال غيرهم يحاول. وفي الوقت ذاته لم يمنع ذلك وجود الآلاف والآلاف من أعمال يتضح فيها الهبوط بالمستوى، عبر محاولات جلب مزيد من المشاهدين من خلال التلاعب بالعنوان، أو بث مقاطع غير لائقة، أو بث أي شيء بغض النظر عن سويته ضمن مجاله.
استثمار التطور التكنولوجي مسألة إيجابية، إن تم توظيفه بما يساعد في رفع سوية الذائقة العامة وتغذيتها معرفيا، وغير ذلك يبقى فيه نظر بحسب الحالة وأسلوب الطرح، ويظل الارتقاء هو المطلب الأشد إلحاحا حتى يكون ذلك التوظيف ذا منفعة تتسع لأكبر مساحة من الذين يسعون للاستزادة في المعلومة أو الاستنارة حول ما يطرح.
فواقع الحال يشير إلى أن الإعلام الجديد يحظى بشعبية جارفة ضمن أوساط الشباب وغير الشباب أيضا، ليس على المستوى العربي فقط بل على المستوى العالمي كذلك. وكم سمعنا عن مقطع تم نشره على "يوتيوب" وبلغ عدد مرات مشاهدته الملايين خلال زمن قياسي لا يتجاوز ثلاثة أيام، الأمر الذي يعيدنا إلى إمكانية التجريب لنشر المنفعة، وليس النشر لمجرد النشر كيفما اتفق ومن غير أي غاية أو هدف. إلا أن السؤال الذي يرد هنا: هل الذائقة العامة اليوم مستعدة للتلقي من قناة معرفية على "يوتيوب"، بالزخم ذاته الذي يتهافت فيه الناس على مشاهد مضحكة من كاميرا خفية مثلا؟
وبما أن اليوم العالمي للغة العربية قد مر منذ أيام، فلو خطر على بال مجموعة من المتخصصين إنشاء قناة لغوية شمولية على "يوتيوب" تطرح جماليات اللغة العربية، وتقدم دروسا في النحو والصرف والإملاء وفقه اللغة، وتقدم نماذج من الإبداعات العربية القديمة والمعاصرة، وتتحدث عن عصور الأدب العربي من بداياته ولغاية اليوم والخط العربي وفنونه.. فكم سوف تبلغ نسبة مشاهدتها؟
ربما هناك محاولات فردية في بعض تلك المجالات المذكورة عن اللغة، لكن مشاهدتها لا تكاد تذكر، ومعظمها توقف؛ لأنه سئم وكأنه أحس أنه يعمل من غير جدوى.
وبرغم ذلك، فالمحاولات التجريبية الإيجابية لا بد أن تثمر يوما انطلاقا من جملة من المعايير مثل الاستمرارية والجدية والإخلاص للمادة المقدمة واحترام المتلقي.