يحكي أحد الأصدقاء الذين عاشوا تجارب حياتية وفكرية متعددة، موقفا مهما ـ كان شاهدا شخصيا عليه قبل عدة سنوات ـ يكشف وجها كئيبا من أوجه اختطاف العقول والحجر عليها، لدى بعض الجماعات الحركية التي تلبس رداء الدفاع عن الدين والأخلاق، يقول: "في إحدى حملات المقاطعة للمنتجات الأميركية التي تم الدعوة لها على نطاق واسع داخل المملكة وخارجها، تفاجأ جميع طلاب وجمهور أحد أبرز المنظرين والداعين بشكل سري لهذه المقاطعة، بأنه قام بشراء سيارة حديثة جدا من إحدى الوكالات الأميركية الشهيرة. وكان هناك شاب في مقتبل العمر من المعجبين بفكر هذا الشخص، لكنه يتميز عن غيره، بأنه كثير الأسئلة، ولا يأخذ أي توجيه كما هو دون أن يناقش في أدلته وخلفياته، فلما رأى السيارة الجديدة توجه لمنظر المقاطعة بسؤال مباشر هو: كيف تدعونا إلى مقاطعة المنتجات الأميركية وفي الوقت نفسه تشتري سيارة أميركية؟

فرد عليه حامل لواء المقاطعة متلعثما: (يا بني هذه أمور ستدركها مستقبلا). فلما أصر الشاب على معرفة السبب، قال له: (هذا مجرد ذر للرماد في العيون وإبعاد للشبهات).

وبالطبع، تم تصنيف الشاب "المشاغب" في خانة الخطرين وغير المؤتمنين على "الأسرار"، وبالتالي أبعد عن "المجموعة المباركة" بطريقة غير مباشرة، مع التحذير من مثل هذه "الممارسات"، والمقصود طبعا، الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات واضحة وشفافة.

أما صديقي هذا الذي أورد القصة، فإن القراءة المتنوعة خصوصا في الجانب الفكري والعقائد، كانت طوق النجاة الحقيقي له من أن يدخل في حبائل أي تنظيم أو مجموعة لا تؤمن إلا برأي "مرشدها" ، فعلى الرغم من أنه لم يكن جريئا مثل الشاب صاحب السؤال في طرح التساؤلات حينها، إلا أنه كان يثقف نفسه بشكل كبير، فلم يحصرها في دائرة معينة، مع أن هناك تحذيرات مستمرة من "مرشدي" و"موجهي" تلك التيارات من قراءة الكثير من كتب الفكر والأدب، حتى لا يصاب الشخص بـ"لوثة عقلية" كما في أدبياتهم.

أوردتُ هذه القصة القديمة نوعا ما، للتدليل على أن أخطر ما يواجه الأمة الإسلامية، هو الحجر الفكري والمنع "القسري" من القراءة الذي يمارسه بعض من يتصدرون المنابر الاجتماعية أو الدينية بحجج واهية؛ ولذلك لن تتغير حالنا كأمة ولن نستطيع إزاحة كابوس "الإرهاب" وجماعاته، بالاحترازات الأمنية فقط، لأن أساس المشكلة هي في العقول، فمتى ما عملنا بجد وشفافية لإزالة "رماد العقول" سننجح في إعادة الوجه الصحيح للإسلام، ولن يزول "الرماد" إلا بالقراءة الحرة فعلا، والحوارات الشفافة.

وغير ذلك.. سنبقى في الدائرة المفرغة ذاتها.