روي في الحديث المتفق على صحته عن سيدنا عمر بن الخطاب أنه قال: "سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلَّم، فلببته بردائه، فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ، قال: أقرأنيها رسول الله، فقلت له: كذبت، أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تُقرئها، فقال: "أرسله، اقرأ يا هشام"، فقرأ القراءة التي سمعته، فقال رسول الله: "كذلك أنزلت" ثم قال رسول الله: "اقرأ يا عمر"، فقرأت التي أقرأني، فقال: "كذلك أنزلت.. إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فأقرؤوا ما تيسر منه". وقال الفيروز أبادي اللغوي المشهورـ صاحب كتاب (القاموس المحيط): في أحاديث الأحرف السبعة إنها سبع لغات من لغات العرب متفرقة في القرآن. وأنسب المعاني للفظ (الحرف) هو الوجه، وكلمة (على) في الحديث تدل على التوسعة والتيسير؛ أي أن القارئ يمكنه أن يقرأ على سبعة أوجه، وبأي حرف منها.. مقدمتي هنا لأجل أن أذكر أنه وقبل أشهر معدودة زار أحد قراء المغرب النابهين المدينة المنورة ـ على ساكنها أفضل الصلاة السلام ـ وقرأ في مجلس بهي آيات من الذكر الحكيم برواية (الطرق النافعية)، التي انفردت بها المدرسة المغربية، منذ أوائل المئة الهجرية الخامسة على يد الحافظ أبي عمرو الداني، من علماء القرن الخامس الهجري. المدرسة المغربية هنا أعني بها المساحات الممتدة من الأندلس إلى تومبوكتو في مالي، ومن المحيط الأطلسي إلى برقة في ليبيا.. (العشر النافعية) والتي تسمى كذلك بالعشر الصغير هي طرق في قراءة القرآن الكريم متفرعة عن أشهر الرواة عن الإمام نافع بن عبدالرحمن بن أبي نُعيم الليثي الكناني إمام القراء في المدينة المنورة، الذي قرأ الإمام مالك عليه القرآن، وأقرأه كتابه (الموطأ)، وهي طرق تفرعت عن الرواة الأربعة: ورش، وقالون، وابن أبي كثير، وإسحـاق المسيبي الذين اشتهروا بالرواية عنه، من عشرة طرق عنهم، وهم الذين جمعهم الإمام الداني في كتابه المسمى باسم (التعريف في اختلاف الرواة عن نافع).
مع أن القارئ ممن يرحل إليه طلبة القراءات من كل مكان، إلا أن مناقشة حامية ثارت في المجلس، احتد فيها الأخذ والرد بين المقرئ الزائر، وبين بعض الحضور دون الوصول إلى تسليم أحد من كلا طرفي السجال، ثم بعد يوم أو يومين صدرت فتوى عن اللجنة العلمية لمراجعة مصحف المدينة المنورة، التابعة لمجمع الملك فهد لطباعة الصحف الشريف بالمدينة المنورة تُعرِّض بمن يقرأ (بالطرق الـعشر النافعية)، وذكرت أن كل من يجترئ على الإقراء بها يجب على أولي الأمر، وأهل العلم منعه.
المطلع والباحث لم يكن يتمنى صدور مثل هذه الفتوى عن اللجنة الموقرة لأسباب كثيرة، أبرزها أنه لم نسمع عن أن تخصص اللجنة ينتشر إلى غير ما يتعلق بمصحف المدينة المنورة، والسبب الآخر هو عدم وجاهة الطلب بالمنع قبل أن تكون هناك مناقشة علمية مفتوحة حول هذا الأمر العلمي الدقيق، بدلًا من فتوى مشرقية، لم تلبث أن جابهتها فتوى مغربية، ذاكرا في هذا الصدد تلك المقولة العلمية التي غدت قاعدة شهيرة: "من زاد علمه قل إنكاره".