تعد المشاريع من أكثر النشاطات في القطاع الحكومي، ويخصص لها جزء كبير من ميزانية الدولة، بالإضافة إلى أنها من أهم الوسائل لتحقيق أهداف الجهات الحكومية المختلفة، لذلك فهي ذات تأثير اقتصادي هام على الدولة، إذ تحتوي على كثير من الأدوات الاقتصادية المؤثرة في كثير من سياسات الحكومة المختلفة. وكما هو معتاد، فإن مجال المشاريع يعتبر من أكثر المجالات قبولاً لظاهرتي الغش والفساد وسوء التنفيذ وتدني الجودة. ومع نمو التعاقد في الخدمات العامة تصبح قضية المشاريع والعلاقات بين العقود أمراً مهماً، ودائما ما تثار أسئلة حول مسؤولية التقصير وسوء الأداء.

والمتتبع لتنفيذ المشاريع وما ينشر في وسائل الإعلام، يجد أخباراً متفرقة عن تبادل الاتهامات بين الجهات الحكومية والمقاولين عند تعثر المشاريع أو سوء تنفيذها، وكل طرف يحاول إلقاء المسؤولية على الآخر، وليس هذا فحسب بل قد نجد اتهامات متبادلة بين الجهات الحكومية نفسها وكذلك بين المقاولين أنفسهم، مما يزيد من صعوبة تحديد المسؤوليات بوضوح.

وعلى هذا الأساس، يمكن أن يزعم المقاولون أن الإخفاق في الأداء كان نتيجة لإخفاق مقاول آخر، أو بسبب سوء التخطيط في الجهة الحكومية، أو إلقاء المسؤولية على سوء الصيانة، فعلى سبيل المثال أصدرت إحدى الشركات الكبرى بياناً صحفياً تقول فيه صراحةً إن المشاريع المسلمة للجهات المسؤولة تحتاج فيها الطرق والأنفاق إلى عمليات صيانة ومتابعة دورية، وعقودها لم تتضمن بنوداً للصيانة، كما كشفت تقارير صحفية عن وجود عيوب في طرق المملكة، بالإضافة إلى القول – مثلاً - بأن الشؤون البلدية مهمتها تتمثل في صيانة الطرق داخل المدن والقرى، وأما خارجاً فهي من مسؤولية وزارة النقل، كما تحدث البعض عن وجود إشكاليات تتعلق بالمخصصات المالية الخاصة بالصيانة.

وبناءً على ما سبق، أستطيع القول إن مشكلة المشاريع تتمثل في عاملين رئيسيين وهما:

أولاً ـ الشروط والمواصفات، فلو عملنا مقارنة بسيطة على سبيل المثال نجد أن الشوارع المسفلتة قديماً كانت تخدم لمدة طويلة، وفي حالات نادرة جداً تحدث انهيارات في أجزائها عند حدوث سيول جارفة.

ثانياً ـ برامج الصيانة للمشاريع، فهناك غموض حول هذه البرامج والمسؤولية غير واضحة. والسؤال المطروح هنا: من يضمن جودة وكفاءة المشاريع الحكومية؟

قبل الإجابة على التساؤل السابق، لابد في البداية من الإشارة إلى القوانين والأنظمة التي تضمن تنفيذ المشاريع الحكومية بجودة عالية، والتي من أهمها نظام تصنيف المقاولين، وبناءً على هذا النظام فإنه يشترط لتنفيذ المشاريع الحكومية وجود شركات مؤهلة فنياً ومالياً ومصنفة حسب قيمة وتكلفة كل مشروع.

وهناك أيضاً نظام المنافسات والمشتريات الحكومية، والذي يؤكد على أن يكون التعاقد على أساس شروط ومواصفات فنية دقيقة ومفصلة ومطابقة للمواصفات القياسية المعتمدة، أو المواصفات العالمية فيما ليس له مواصفات معتمدة. كما تتيح الأنظمة والقوانين في المملكة الاستعانة بالمكاتب الاستشارية الهندسية للإشراف على تنفيذ المشاريع والتأكد من جودتها، كما أن هناك لجانا ابتدائية ونهائية من الجهات الحكومية لاستلام المشاريع والتأكد من مطابقتها للمواصفات المعتمدة. وليس هذا فحسب، بل أكد نظام المنافسات على إمكانية استبعاد العروض من المنافسة حتى لو كانت أقل العروض سعراً، إذا تبين أن لدى صاحب العرض عدداً من المشاريع يفوق حجم التزاماته التعاقدية بما يؤثر على تنفيذه لالتزاماته التعاقدية، ناهيك عن وجود لجنة مختصة للنظر في بلاغات الغش والتحايل والتلاعب في العقود الحكومية.

وبالرغم من قوة الضمانات السابقة لجودة المشاريع، إلا أنه للأسف الشديد نجد مشاريع متدنية الجودة، ومن أمثلة ذلك مشاريع سفلتة الطرق والشوارع، إذ نلاحظ وجود عيوب فنية وهندسية، بالرغم من وجود مذكرات استلام للأعمال المنفذة تفيد بمطابقتها للمعايير القياسية وبالجودة المطلوبة،

وذلك لعدة أسباب تتمثل في إمكانية التحايل على نظام تصنيف المقاولين من خلال تجزئة المشاريع، أو الدخول في اتفاقيات وهمية مع شركات أخرى مصنفة، بالإضافة إلى عدم وجود آلية إشرافية وتقارير فنية لدى الجهات الحكومية، تهدف إلى التأكد من أن المواد التي تم استخدامها في المشاريع تطابق المواصفات القياسية وذات جودة عالية، وذلك حسب نصوص مواد نظام المنافسات التي ذكرت آنفاً، وبالتالي وجود مخاطر تتمثل في إمكانية قيام المقاول بتقديم مواد وقطع غيار غير مطابقة للمواصفات وقد تكون رديئة، وقد تؤثر سلباً على تنفيذ المشاريع وصيانتها. بالإضافة إلى ما سبق، فقد يحدث على أرض الواقع أن يجبر المكتب الاستشاري على استلام الأعمال المنفذة حتى وإن لم تكن مطابقة للمواصفات، وقد يحدث أيضاً أن يتم التزوير في مذكرات الاستلام.

أما فيما يتعلق ببرامج تشغيل وصيانة المشاريع، فالمسؤولية قد تتوزع بين عدة جهات حكومية، وتكون هناك إشكالية في عملية الإشراف عند تحديد المسؤوليات، وانتقالها إلى جهة حكومية أخرى، والذي بدوره يؤثر على عدم تخصيص مبالغ مالية لبنود الصيانة، وعليه فربما كانت المشاريع بلا صيانة نتيجة لسوء التنسيق في عملية انتقال المهام بين الجهات. هذا بالإضافة إلى أن العديد من الجهات الحكومية قد تتعاقد مع مكاتب هندسية لدراسة مخاطر المشاريع والبنية التحتية، وينتج عن هذه الدراسات وجود العديد من المخاطر والتوصيات، ولكن للأسف قد لا توجد تقارير دورية لمتابعة توصيات نتائج هذه الدراسات والتأكد من تنفيذها.

وبصفة عامة، هناك خلل في جودة المشاريع وصيانتها، ويجب التأكيد بقوة على ضمان الجودة عند توقيع العقود وإدارتها، وتعد نظم ضمان الجودة إجراءات إدارية يقصد منها التأكد من تنفيذ المشاريع بكفاءة عالية، وبوسع الجهات الحكومية عندئذ تقليل المراقبة والإشراف غير المجدي، لأنه يمكن لها الاعتماد على تدقيق نظام المقاولين لضمان الجودة، وبالتالي مصداقية التزامهم بالشروط والمواصفات.