نشرت مجلة در شبيجل الألمانية في عددها العاشر من عام 2010 عنوانا مثيرا عن مصير اليورو، هو أقسى بما لا يقارن من عنواني المخفف صدمة اليورو؛ عنونت المجلة العدد بـ كذبة مارقة تم تمريرها  في عقد لشبونة للاتحاد الأوروبي من الفقرة 125 ـ بند واحد، بأن ما كتب ويمارس لايزيد عن بهتان مبين.

قالت الشبيجل: كذبة اليورو (Die Euro - Luege). وشرحت ذلك أن أي عضو إذا غرق ـ عفوا ـ فلا يضمن عضو آخر انتشاله؟ بما لايفعله القراصنة والشحاذون؟

أقول هذا الكلام ولست بالاقتصادي، ولكن الوعي الاقتصادي من الأهمية بمكان أن لايلتهمنا هوامير العقارات، فأنا المسكين بعد أن كدحت مع وزارة الصحة كدحا لمدة ربع قرن، أعطوني مكافأة لنهاية الخدمة كانت مبلغ خمسين الف ريال، وهو مبلغ لم يغط إيجار البيت الذي استأجرته في شمال الرياض متطرفا، فكأفأني اللصوص مع أول صيفية بهجمة موفقة، لثلاث بيوت متجاورات، لم ينفع معها تصفيح الحديد وجدران الأسمنت، ومتى كانت الجدران والأبواب أمانا من اللصوص والجرذان؟ فأخذوا ماخف حمله وغلا ثمنه وسهل بيعه في سوق الموبايلات والكمبيوترات والعملات؟

سأحاول من خبرتي الميدانية إفادة القاريء عن فهم العالم الاقتصادي اللزج الأملس الأفعواني؛  فليس مثل الوعي نورا، والوعي الاقتصادي مهم، لأن جهله يمد أيدي المختلسين إلى كل جيب؛ فينهب الفقراء والشغيلة والمنهكين والمتعبين، والمال يذوب بالتضخم مع كل وقت، في الوقت الذي يلعب المجرمون بالسوق فتتخم كروش المتخمين بالأصل.

وحين لعن القرآن من يكنز الذهب والفضة من الأحبار والرهبان فبسبب الإساءة الاقتصادية في تدمير الحياة، والله في محكم التنزيل لم يذكر المال قط أنه سيء أو وسخ يدين، كما يقول الكذابون المتملقون الذين تتلمظ أفواههم له وتنكره ألسنتهم، بل يصفه دوما بالخير، وقد تتبعت تقريبا كل الآيات في القرآن عن المال فذكره بالخير؟ تأمل (إن ترك خيرا ـ وإنه لحب الخير لشديد ـ لاستكثرت من الخير ـ الذي جعله لكم قواما .. الخ)

لقد راقبت اليورو وحركته مع الدولار منذ أن ولد اليورو عام 2001 قبل تسع سنين عددا، اشترينا به اليورو بـ 372 هللة، ثم طار بجناحين من ذهب وحلق، ونحن نرمقه من بعيد ونفلق، ولا نستطيع الإمساك به فنلحق، حتى وصل المزن المثقلات، فأصبح مقابل الدولار في يوم قريبا من 153 سنتا، أي حافة ستة ريالات، فقلت بخ بخ .. لتجار العملات لو أمسكوا بيدهم فقط اليورو وطلقوا الدولار.

ثم قرأت خبرا عجيبا في الإنترنت عن هجوم بوش على العراق، مع مساعدته كوندوليسا رايس، ورامسفيلد أن حركتهم لم تأت من فراغ، وأن طاغية دجلة ضرب ضربة أقضت مضجعهم، وحركت عقول الاقتصاديين، حين أوقف بيع البترول بالدولار وبدأ بالتعامل باليورو، نكاية بأمريكا، ولكن هذه النكاية أطلقت رعبا خارج الصراع الشخصي بين عائلة بوش وصدام، فقد انتبه علماء الاقتصاد في العالم إلى أن الدولار مصاب بعلة مزمنة لاخلاص منها وفكاك، فلو نفضت اليابان والصين يديهما من الدولار لأفلست أمريكا التي لاتنتج اليوم وتستهلك أكثر مما تنتج، وتغرق بالدين كل يوم، ولركب بوش  دراجة مثل عمال البنغال.

وأنا شخصيا قرأت يومها أن الهجوم على العراق، وأن أم المعارك كانت يومها في الجبهة الاقتصادية، وأن سبب التهام العراق في بطن الأناكوندا الأمريكية، كما أطلقوا على حملتهم في الفلوجة هي قتل هذا التوجه من التعامل باليورو، والعالم حاليا خاصة في الشرق الأقصى ملأ مدخراته حتى الثلث باليورو وهل من مزيد؟

فالمستقبل هو لليورو فهل هي ساعة شرائه الأن بعد أن وصل 127 سنتا؟

وكما قال (نسيم طالب) الاقتصادي في زيارته للسعودية في أبريل 2010م  وهو لبناني الأصل أمريكي الجنسية، أن ديون العالم الغربي وصلت إلى ذروة لاعودة منها، تجاوزت مئة تريليون دولار(عشرة قوة 14؟؟) ، وأن خطة أوباما الأسود في تبييض اقتصاد أمريكا مصيبة جديدة باقتراض ستة تريلوينات دولار جديدة، فيزيد الطين بلة .

كما في مريض الصدمة الذي خسر ثلثي دمه، فهو يدخل كما نعرف نحن الأطباء حالة الصدمة غير المرتجعة (Irreversible Shock)، وهذا المرض الأمريكي أصبح موضة ملعونة انتشر مرضها في كل العالم بالاقتراض، حتى علم جير العامل البنجالي أمس فرح أن استطاع تحويل 150 ألف تاكا لزوجته قسم منها كان اقتراضا فلحقه الفيروس الأمريكي.

قال نسيم اللبناني إن علة العلل هي الاقتراض فيعيش الإنسان بالدين، ونحن كعائلة عانينا من هذه الكارثة، حين كان والدي رحمه الله يتعامل مع التجار الحلبيين بالدين، حتى غرق ومعه عائلته في لجته أخيرا، وقد أقدرني الرب أن أريحه في السنين الثلاثين الأخيرة من حياته فنام بدون كوابيس الدين.

العالم كله يعيش اليوم لعنة القرض والإقراض، والدين المركب، ألعن من قرض الفئران والجرذان للخشب وكارثة اليونان حاليا جعلت الاتحاد الأوروبي يرتعش فرقا وهلعا، وكما يقول المثل إذا حلق جارك فبلل لحيتك، ونقلت الأخبار عن فزع بدأ ينتاب بريطانيا أن يحل بها ماحلَّ باليونان، بل أن يمتد الحريق إلى كل أوروبا؛ فيسقط اليورو مثل طير محلق أصابته طلقة طائشة فخر صريعا للجنب؟

لذا ركض الاتحاد الأوروبي، ومد يده إلى جيبه لإنقاذ أولاد سقراط وأفلاطون الفاسدين الحرامية، الذين تورط الاتحاد بضمهم إلى بيته فاختلسوه، بما استقرضوا فسادا وحماقة وغفلة عن العيون والأرصاد من عيون الفرنسيس والجرمان،  فأخذ الاتحاد الأوروبي اليونان إلى العناية المركزة، وبدأ بفتح الأوردة لمرض مصدوم؛ فحقنه بعشر مليارات يورو كدفعة أولى، ستلحقها 100 مليار يورو أخرى، وهو رقم يمكن إنعاش ثلاث قارات من الفقراء المنحوسين به..

يقول تجار الذهب وهي مقولة لاتخلو من الصحة والفائدة اشتر الذهب صاعدا فتربح مع الصعود وتخلص منه نازلا!!

ولكن كل المشكلة هنا؛ فما هي النقطة التي يتحرك عندها الإنسان؟

إن الأرقام تترجرج فاليورو مثلا كان عند حافة 154 سنتا مقابل الدولار الأمريكي وهو مع مايو 2010 أصبح 127 سنتا فهل هو الوقت المناسب لشراء اليورو؟؟؟