لن أهون من الخطأ المهني الذي ارتكبه معلق مباراة النصر والاتحاد يوم الجمعة الماضية حينما تعاطف مع جماهير الاتحاد لحظة غضبها من إدارة ناديها وتحديدا من رئيس النادي محمد الفايز، وقيامها برمي قوارير المياه على منصة الملعب حيث يتواجد الرئيس، فضلا عن العبارات التي رددوها وهتفوا بها على وزن (ارحل ارحل يا فايز)، ولعل الخطأ الأكبر الذي وقع فيه المعلق هو أنه لم يعترض على تصرفات بعض الجماهير، بل فهم من سياق تعليقه على ما كان يحدث وكأنه يوافقهم على ما قالوا وفعلوا تجاه الرئيس، وهذا - كما أسلفت - خطأ مهني كبير يقع فيه عدد ليس بقليل من الإعلاميين في مختلف الوسائل الإعلامية إذ تغيب عنهم الموضوعية وتحضر العاطفة والآراء الشخصية.

ففي الصحف مثلا تكاد لا تجد خبرا رياضيا إلا وقد طغى رأي محرره على مجمل النص بل كثيرا ما تمت صياغة الخبر بأسلوب تعبيري وليس إخبارياًّ، بينما الصحيح أن تكتب كافة الأخبار سواء رياضية أو غير رياضية بموضوعية وشمولية وحيادية، ثم يمكن للصحيفة أن تعبر عن رأيها الشخصي عبر افتتاحيتها، مثلما يمكن للصحفي أن يعبر عن رأيه عبر مقالة يكتبها باسمه في ذات الصحيفة.

أعود لموضوع المعلق لأقول لست أدري ما إذا كان قرار إيقافه والاستغناء عنه قرارا قانونيا وصائبا فضلا عن نوع العقوبة وما إذا كانت قاسية أم أن الصواب إيقافه عن التعليق لفترة زمنية محددة مع عقوبة مالية، ولكن ما لفت نظري في هذه الحادثة ومثلها في أوقات سابقة أن المعلقين الرياضيين ومقدمي البرامج التلفزيونية في القنوات السعودية تصدر بحقهم عقوبات سريعة وقاسية، وتصدر من جهاز حكومي ومن هنا كان بودّي أن تتحول هذه القرارات إلى عدوى وينتقل فيروسها بسرعة إلى باقي القطاعات الحكومية التي فيها من الأخطاء ما لا يمكن مقارنته مع أخطاء المعلقين ومقدمي البرامج التلفزيونية، فضلا عن أن عددا ليس بقليل من أخطاء هذه القطاعات يترتب عليها خسائر في الأرواح والممتلكات وخسائر مادية تقدر بمئات الملايين من الريالات.

لن أحصر الأخطاء التي أقصدها ولا مكان هنا لنشرها، كما أن أكثرها لا يمكن التطرق إليه ونشره ولكن دعوني أقول لكم لو أن وزارة الداخلية أو الإدارة العامة للمرور مثلا رغبت في تطبيق سياسة القنوات الرياضية المتمثلة في فصل كل من يخطئ في عمله فكم شخصا يفترض أن يفصل بل ويحاكم يوميا ممن تسببوا بأخطائهم وتقصيرهم وعدم مبالاتهم في موت الكثير من المواطنين والمقيمين على الطرق من خلال الحوداث المرورية؟

كم ضابطا وما دونه من أصحاب الرتب ينبغي أن تتم محاسبتهم؟ كم مقاولا ومستشارا ومهندسا وعاملا ينبغي محاسبتهم؟

كم وكم وكم من البشر يوميا يرتكبون أخطاء بشعة وواضحة وكبيرة تتسبب في أذى الناس، وتعطل مصالحهم، وتستنزف أموالهم وأوقاتهم وصحتهم، لكن لا توجد جهة تصدر بيانا سريعا حيال ما ارتكبوا من أخطاء مثلما فعلت القنوات الرياضية، ولا توجد جهة تصدر قرارا في نفس اليوم أو بعد ساعات فقط من لحظة ارتكاب الخطأ متضمنا فصلهم من عملهم مثلما فعلت القنوات الرياضية؟