• لا ينتبه الغمام الشتوي إلى ظلّه ولا للبرد، لا يعرف شيئاً عن وزنه، ولا يهمّه أي طريقٍ في الجوّ سيعبر، ولا أي رياحٍ ستدفعه. يقف بموازاة تلٍّ أو بناية أو جبل على هيئة لحافٍ كبيرٍ وقاتم، مليءٍ بوجوهٍ أليفة غادرت منذ أمد، ولم تأخذ معها طلاتها من الأبواب، ولا ضحكاتها وخطاها وسط البيت. حسناً.. الشتاء كما الألحفة، له رائحة وخيالات ورجفة. إذاً لا تحدّق في غيمة، قد يتطاير إلى شفتيك رذاذ قصّة، قد يسيل على جبهتك خيالٌ ضائع في السماوات، وقد يلبسك!

• لن يكون بوسع العالم أن يتجاوز وحدته، الظلمة الكونية التي خلق منها ويهيم فيها، برودته وملالته القارسة والأبدية، وإذا تعالت بهجةٌ ذات يوم في ناحيةٍ من الكوكب، خلف شبّاكٍ أو في زقاقٍ أو صدفة، فلا بدّ أن ترجع الأشياء الشتوية يوماً، مصحوبةً بأرواحٍ شديدة الإعياء من الحنين. كل شتاء يعود.. يعود وفي ذراعيه قرصاتٌ من الفناء، وندباتٌ من العدم. إذاً لا تجلس قبالة مدفأة ولا ميناء، حاذر الصعود إلى الأسقف وعدّ البروق، مدّ رجليك إلى شارعٍ وامش.. امش فقط.

• خبر في الصحف 28 يناير 2013: (أدت الأمطار الغزيرة التي تهطل على منطقة تبوك منذ أمس الأحد لوفاة طفل رضيع، لا يتجاوز العام من عمره؛ حيث سقط الطفل من بين يدي والدته التي كانت تحتضنه بين يديها أثناء عبور والده بمركبته وادي روافة الذي كان يجري السيل فيه.... وعثرت فرق البحث والإنقاذ للدفاع المدني على الطفل على بعد كيلومترين من موقع سقوطه).

• لم تسمع أمّاً في ملجأ وهي تتلوى رعباً على صغارها أن ينهشهم الصقيع، لم ترَ يداً ممدودةً في السيل، تتشبث بالهواء وتختفي بأسىً عارم، لم تلصق ظهرك بحائطٍ في العراء، لم تتكرمش في "صندقة" ولا "عشّة"، لم تبرك قبل طلوع الشمس عند باب مطعم في انتظار الشفقة، لم تطقطق أمراض العظام المسنّة في عظامك، لم يخنق ربو الأطفال صدرك، لم.. لم.. إذاً فاخفض صوتك، بلّل جنبيك اليابسين، وزد هذه الأرض خجلاً!