هناك قصة شهيرة يحكيها التراث الصيني، عن امرأة صينية مُسنة تمتلك إناءين كبيرين، تملأ فيهما الماء من النهر وتنقلهما إلى بيتها مربوطين بخشبة على كتفها، وكان أحد الإناءين به شرخ يتسرب منه الماء على الطريق إلى بيتها، وحين تصل به، يكون قد نقص الماء كثيرا، فيما الآخر كان في حالة جيدة، وخلال سنتين والمرأة تملأهما بالماء كل يوم من وإلى بيتها، ما حصل أن الإناء السليم كان مزهوا بنفسه؛ لأنه يخلو من العيوب ويؤدي عمله كاملا، فيما كان الإناء المشروخ محتقرا لنفسه، ويرى أنه عديم الفائدة؛ لأنه عاجز عن إتمام مهمته، وفي يوم من الأيام، وبعد مرور سنتين من الإحساس بالدونية والفشل، تكلم الإناء المشروخ مع السيدة المسنة معتذرا "أنا خجل جدا من نفسي؛ لأني عاجز ولدي شرخ يسرب الماء على الطريق للمنزل".

ابتسمت السيدة الصينية وقالت له: "ألم تُلاحظ الزهور التي على جانب الطريق من ناحيتك وليست على الجانب الآخر؟! إنني أعلم تماما عن الماء الذي يُفقد منك، ولهذا الغرض غرست البذور على طول الطريق من جهتك حتى ترويها أثناء عودتي بك إلى البيت، ولمدة سنتين كنتُ قطفت من هذه الزهور الجميلة لأزين منزلي، وما لم تكن بما كنتَ عليه "مشروخا" ما كان لي أن أجد هذا الجمال يُزين منزلي".

قصة جميلة، بها الكثير من المعاني الكبيرة، وكم نحتاج أن نرى الجزء الممتلئ من كأس الحياة ونستثمره، لا الجزء الفارغ منه والتحسر عليه، هذا ما فعلته العجوز مع الإناء المشروخ، فهل نفعل ذلك مع ما نمتلكه من أشياء أو مع أعمالنا التي لا نحبها أحيانا، أو ظروفنا الصعبة التي تحيطنا أو حتى مع أنفسنا؟! فكل شيء من حولنا يحوي الضدين، سلبي وإيجابي، حتى القمر الذي يتغزل العشاق به له وجهان: أحدهما مضيء والآخر مظلم، نحن كذلك مثله، ومن منّا يخلو من العيوب أو نقطة ضعف، سواء في أشكالنا أو قدراتنا التي نتمايز فيها مع بعضنا البعض ـ أستثني العيوب الأخلاقية والسلوكية السلبية ـ وحتى ظروفنا تجعلنا أحيانا نشعر بالعجز، ولا كامل إلا خالق السموات والأرض سبحانه.

ولكن لو استسلمنا لتلك العيوب فينا، ولُمنا أنفسنا على ما قُدر علينا، لكان ذلك سببا في تشوهنا فعلا، فما تراه عيبا قد لا يراه الآخرون عيبا إلا نتيجة شعورك السلبي تجاهه، وكثيرون منّا يجعلون من تلك العيوب "شماعة للفشل"، وينسون أنهم بحاجة إلى الإيمان بأنها ما قدرت عليهم إلا لحكمة، ودورهم البحث عنها؛ لتكون مفتاح الجمال والإبداع والتفوق، حتى تلك الصعاب والتحديات، بل حتى وجود الأعداء والحاسدين حولنا، لم يكن وجودها إلا لحكمة فيها من الخير والنفع الكثير!

باختصار، أحيانا "الحلو ما يكمل" كما يقول بعضهم، ولكن يبقى حلوا مهما كان، فقط علينا أن نفعل كما فعلت العجوز الصينية مع إنائها المشروخ، وكما جاء في الكتاب العظيم قوله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون‏}.