-1-

من الواضح الآن أن الصراع القائم بين إيران وإسرائيل صراع لإزالة إحداهما، والانفراد بحكم العرب والشرق الأوسط عامة، وإلا فلماذا هذا التراشق الإعلامي اليومي بين إسرائيل وإيران؟ فإذا كانت أميركا غير راضية عن أية هجمات عسكرية إسرائيلية مباشرة على إيران، فمرد ذلك أن تُحسب هذه الهجمات واللعنات – مستقبلاً– عليها، وليس على إسرائيل، وهو ما لا تريده أميركا، بعد أن طوّعت إيران- روحاني ووضعتها، كما تتخيل وتعتقد، خاتما في إصبعها.

-2-

ولكي تُبعد إسرائيل شبهة العداء لأميركا هاجمت "حزب الله" (ظل إيران في لبنان وسورية)، وقال نتنياهو "إن الغارات الجوية التي نفذتها الطائرات الإسرائيلية في 3، 5 مايو 2013 على ثلاثة مواقع عسكرية بالقرب من دمشق، كانت تستهدف تدمير أسلحة، كانت قد أرسلتها إيران إلى سورية، من أجل إرسالها إلى "حزب الله" في جنوب لبنان". وفي 6 مايو قال نتنياهو للرئيس بشار الأسد

"إن الغارات الجوية لا تستهدف نظامك".. وهذا معناه بوضوح شديد أن النظام السوري لا يعادي إسرائيل، لأنه نظام يدخل في خلاف مع "الإخوان المسلمين" في سورية، الذين يريدون تدمير إسرائيل.

-3-

ولكن سورية في الوقت نفسه ـ وحسب رؤية مراد وهبة، الفيلسوف المصري المعاصر- ليست في خلاف مع إيران، بل على عكس ذلك، في وئام تام، بين دولة علمانية كاذبة (سورية) ودولة دينية مزيفة (إيران).

ومن الواضح، أن نتنياهو - برؤية سياسية مستقبلية - يريد أن يُدخل سورية في خلاف مع إيران، ومن ثم يُدخلها في خلاف مع حزب الله. وسبب ذلك مرده أن كلا من إيران وحزب الله، على علاقة عضوية مع "الإخوان المسلمين"، سواء كانوا في مصر أو في سورية. وهذا ما أكده فؤاد السنيورة من أن "حزب الله بلسان رئيسه نصر الله، قد تحوّل علنا إلى أداة تحت الطلب، للدفاع عن نظاميْن مستبديْن هما: النظام الإيراني، والنظام السوري". وأضاف السنيورة: "إن ما يقوم به "حزب الله"، يؤدي إلى توريط جديد للبنان، في معارك لا تخدم مصلحة لبنان.

ولم يكن السنيورة وحده في هذه الرؤية السياسية، بل كان إلى جانبه الرئيس اللبناني (ميشال سليمان) الذي أعلن بوجوب "وضع سلاح المقاومة؛ أي سلاح "حزب الله"، تحت تصرف الجيش، للدفاع عن لبنان".

-4-

ولكن رئيس "حزب الله" ضرب بكل هذه الأقوال وغيرها عرض الحائط، وقال بعنجهية، وصلف، وكبرياء "لقد تجاوزتُ الدولة، وتجاوزتُ المؤسسات اللبنانية"، وبذا يكون حزب الله قد ألغى مفهوم الدولة.

-5-

وبذا يتبين لنا أن الصراع العربي– الإسرائيلي انتهى، وانتهت معه صورة العدو الإسرائيلي، كما اندثر نهائيا التجمع السياسي الكاذب (الصمود والتصدي) الذي يتزعمه الآن - كذبا وزورا وبهتانا- بشار الأسد بعد موت مؤسسيه: حافظ الأسد، وصدام حسين، والقذافي.

-6-

وهذا الموقف السياسي على علاقة وثيقة بما يجري الآن في مصر التي هي كباقي العرب بين حجري الرحى: إسرائيل وإيران. فالعداء مع إسرائيل أزلي. أما العداء مع إيران فيتأتى من كون إيران داعمة للفوضى والدمار اليومي المصري، فيما لو علمنا أن النظام "الإخواني" المنهار في مصر لم يكن في صراع مع إيران بعد زيارة الرئيس مرسي المخلوع لإيران في أغسطس من السنة الماضية 2012، وكانت هذه أول زيارة لرئيس مصري لإيران. وقالت بعض وسائل الإعلام الإيرانية وقتذاك إن مرسي سيلتقي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي لبحث "التطورات الإقليمية واليقظة الإسلامية والعلاقات الثنائية". وعبَّرت إيران عدة مرات عن رغبتها في تطبيع العلاقات مع مصر منذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك عام 2011.. فإلى متى سيظل العرب "مطحونين" بين حجري الرحى: إيران وإسرائيل؟

سؤال من الصعب الإجابة عنه في ظل هذا التشرذم، والتخلف، والتشظي العربي الآن، وفي الماضي.

فهل يحتاج العرب – الآن- إلى معجزة سماوية، لتخلِّصهم مما هم فيه، بعد أن عجزت كل وسائل الأرض عن القيام بذلك؟