كغيرنا من المؤسسات التعليمية والثقافية والمجامع اللغوية ومراكز الاستقطاب البحثي احتفلنا باليوم العالمي للغة العربية الذي وافق الأربعاء الفارط، واجتمعنا في يوم معلوم وأماكن متفرقة لنحتفي بسيدة اللغات، وكان ما كان من ظلال على أنفسنا التي امتلأت حبا وتعلقا وافتتانا بها، على الرغم من بعض أصوات تعلو حينا بعد حين بنبرات التشاؤم، ونظرات الخوف والترقب من أن سينال اللغة العربية مثل ما طال لغات أخرى لم تعد في حسبان المستوعب اللغوي العالمي، فترى التفاتة تخشى هجمة التقانة والحوسبة، وأخرى تستعد لمحاربة الدخيل الأجبني مما وفد به إلينا طوفان العولمة والمعلوماتية، وثالثة تنعي أبناءها الذين خذلوها وأهملوها –في زعمهم- واستبدلوها بغيرها مما نُحت منها ومن لغات أجنبية أو اصطناعية، ناهيك عن محاضرات وندوات جلها يحذّر ويستنهض الهمم ويدعو إلى تدارك ما فات قبل الفوات، وأنا بين هذا الخضم وغيري كثير ولله الحمد، سواء أكانوا من المشتغلين بالدرس اللغوي أو "المتعيشين" عليه، كما يطلق عليهم دوما أستاذنا الدكتور سليمان العايد، لا نرى بأسا على لغتنا ولا خطرا يمكن أن يمحوها من الوجود أو يزيلها من ألسنتنا وألسنة أبنائنا، كيف وقد حفظها القرآن الذي في الصدور، وتشبعت به الأرواح والأفئدة؟! إضافة إلى أن القدرة التواصلية التي أودعها الله في كل عربي تأبى إلا أن تظهر، مهما حاول أحد طمسها أو إعاقتها، ولهذا فإن الشباب الذين نعيب بعض استخداماتهم اللغوية اليومية حين ينظرون إلى شأنهم بأهمية فإنهم لا يتحدثون إلا لغتهم الصرفة، ولقد وجدت ذلك ممارسا إبان مراحل التدريس، فلقد كان الطلاب إذا حزبهم أمر جاؤوا إلينا وحدثونا بلغة أقل ما يمكن وصفها بأنها منتظمة السياقات والتراكيب، متجاوزين مسألة الضبط التي ستأتي يوما بالمحاكاة والتدريب دون اللجوء إلى القولبة القاعدية المفرطة.

ومن هذا المنطلق، فلا حاجة للتباكي على اللغة الأم الحاضنة لتراث الأمة وفنونها وآدابها، خاصة وهي تتصدر لغات العالم بكلكله في عدد مفرداتها غير المكررة، ناهيك عن الاشتقاقات التي وصلت في بعض الجذور اللغوية إلى أكثر من أربعين اشتقاقا موظفا وحيا وقابلا للتركيب والإعمال. لسنا بحاجة أكثر من أن نعود أبناءنا على لغتهم ونسد الفجوة التي أحدثها المتطرفون في الدرس اللغوي، خاصة أولئك المرتهنين إلى حفظ القواعد والمنظومات العلمية، فيما الأمر لا يعدو أن يتلمس النشء جماليات الأساليب اللغوية ويتذوق رحيق التعبيرات ليجد نفسه مبحرا في أعماق لغته ومستخرجا مزيدا من الجواهر.