يسرد الدكتور وان حسن وان مت من جامعة مالايا مسيرته مع "الضاد".. "الرحلة التي تتكون من آلاف الأميال بالطبع تبدأ بالخطوة الأولى، والمأدبة التي تنتهي بالهناء والشفاء أيضا تبدأ من اللقمة الأولى!.. فليس من الغريب لو بدأت كلامي عن مسيرتي وأيامي مع اللغة العربية باليوم الذي عرفت فيه ما هو الألف وما هو الباء. وطبعاً عرفت العربية منذ "ألف" حياتي وسأكون معها إن شاء الله إلى "ياء" حياتي. وفي رحلتنا من الألف إلى الياء هناك أحرف كثيرة بوسعنا أن نركبّها وندمجها لنكوّن منها ألفاظاً وكلمات وعبارات وجملاً سواء من الجمل الاسمية أو من الجمل الفعلية، ولن نتوقف أو ننتهي عن الفعلية في اللغة العربية.
ولدت ونشأت في أسرة متوسطة في جميع نواحي الحياة. تعلمت الحروف الهجائية بتعلمي للقرآن الكريم، وذلك في سني الخامسة على يد جدي رحمه الله. وفي سن السادسة ألحقتني أسرتي بمدرسة أهلية متواضعة كل التواضع، ولكن قلبي وفؤادي يسمو ويرتفع بعد ما تعلمت وحفظت بعض الكلمات العربية وبعض جملها البسيطة، وبعدما أنهيت الابتدائية في عدة سنوات التحقت بالثانوية، وقد جنيت فيها ما جناه الآخرون من ثمار العربية من معظم فروعها وألوانها ومذاقها. ونظرا للسن المناسبة بين المرحلة الدراسية والمقررات المفروضة سواء في اللغة العربية أو العلوم الدينية فقد استفدت منها كثيراً في حياتي وفي توجيه مسيرتي ومستقبلي وفي تلوين اتجاهي بالألوان المتناسبة مع خلفيتي وخلفية الأسرة والمجتمع المحلي.
وبعدها بدأت دراستي في الخطوة الأولى للمرحلة الجامعية. أكملت بعضها داخل البلاد في مركز الدراسات الإسلامية بنيلم فوري بولاية كلنتان الماليزية، ثم أكملت البعض الآخر في جامعة الأزهر الشريف وحصلت على الليسانس في الشريعة الإسلامية بما فيها اللغة العربية، ثم أنهيت دبلوم التربية في المجالين الديني والعربي.
من طبيعة محبي العلوم أنهم لا يؤمنون بنقطة النهاية عملا بالقول المأثور "اطلب العلم من المهد إلى اللحد". وبذلك واصلت دراستي في مرحلة الماجستير ثم في مرحلة الدكتوراه. عينت مدرسا للغة العربية ثم ارتقيت إلى منصب محاضر اللغة العربية. قضيت كل حياتي في خدمة اللغة العربية سواء بالتعلم والتعليم وإجراء الدراسات العلمية والبحوث. وذلك لتبليغها إلى الأجيال الإسلامية المعاصرة والمستقبلية، ولا أغالي لو قلت إن الأوقات التي قضيتها مع اللغة العربية بجميع نواحيها الأكاديمية والثقافية والاجتماعية منذ بدايتها حتى الآن كلها تقودني نحو البهجة والسرور والسعادة الدائمة الأبدية. هذا لأن جميع المسلمين على وعي دائم بأن اللغة العربية لها مكانة خاصة ولها دور عظيم في التنمية البشرية من يوم بعث الله رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة "يوم لا ينفع فيها مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم".
ويتبعه الدكتور الحاج محمد بن سمن بكلية اللغات واللسانيات بجامعة مالايا في سرد دوافعه وصعوباته في تعلم "العربية" .. "بتوفيق من الله للغة العربية أن ارتفعت مكانتها وعلا شأنها في ماليزيا، فقد صارت تُدرس في المراحل الابتدائية حتى المراحل العليا، شاع صيتها بين المسلمين وغيرهم. لم أزل أتذكر أنني كنت أدرّس "العربية" لرجل غير مسلم لأغراض خاصة، فقد كنت أعلمه اللغة العربية وألتمس بعض النماذج الإسلامية لعلّ الله أن يهديه. وهذا مما جعلني أتعمق في تعلّم اللغة العربية وإجادتها لأن تعليم "العربية" لغير المسلمين وسيلة "كبيرة" للدعوة، غير إقبال الناس على تعلمها وأنها باتت تدرس لأغراض دينية وعلمية وكذلك تجارية.. ومهما كثرت الأسباب لتعلم اللغة العربية إلا أن هناك بعض المواقف والصعوبات التي حالت بيني وبين تعلّم "العربية"، ومن أبرزها عدم توافر مراجعها ووسائط تربوية ملائمة وجذابة، كنا نتعلمها بطريقة تقليدية، بل إن معظم أساتذة اللغة العربية يتحدثون بلغتهم الأم مما يشعرنا أن الفصل الدراسي ليس للعربية، مما رسخ لدى معظم الطلاب شعوراً بـأن "العربية" لغة صعبة وتستحيل إجادتها في بيئة غير عربية!.. ولكن ثمة أمور جعلتني أتعلّم اللغة العربية منذ صغري إلى أن يشاء الله، وسأبقى أتعلّم "العربية" وأقضي حياتي في تعلّمها و تعليمها..
هاتان المشاهدتان المحفوفتان بالحب والألم معاً ألتقطتهما "كجزء" من ثمار يانعة لفعاليات "اليوم العالمي للغة العربية 2013" الذي أقمناه في ماليزيا لعدة أيام في عدة جامعات ضمن نشاط الملحقية الثقافية الثقافي حيث جُلّ الفعاليات لمتحدثين ماليزيين بلسان عربي، فكان التناغم والانصهار الثقافي والمعرفي موجوداً، بحضور منظم كثيف من مسؤولي الجامعات والمهتمين والمتخصصين والطلبة من جميع الجنسيات.. لتكتشف أن هذه الدول متعطشة للغة القرآن، ولتثبت لنا أن قصة العربية في ماليزيا كماليزيا نفسها، وثابة متدرجة في تنميتها حتى على مستوى تعليم العربية، لنجد التدرج حاضراً لمواكبة حركة التجديد والتطوير، حيث بدأت من عصر الكُتّاب إلى مئات المدارس وسبع جامعات تدرسها رسمياً.
وآخر منعطف هنا، شكرٌ مسيجٌ بشذا الوفاء لمعالي وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري المشرف العام على مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، إنصافاً ووفاءً بتوجيهه بالدعم "الكامل" لفعاليات اليوم العالمي للغة العربية في ماليزيا، ولأمين المركز وللملحق الثقافي في ماليزيا لتكون الجهود متناغمة تكاملية لقطف ثمار دعم لغتنا العربية في ماليزيا دون انقطاع بإذن الله.