الاحداث التي مرت من بداية الثورات العربية وما تلاها من أحداث لا تخفى على الجميع، كلها أحداث استثنائية وكبيرة وخطيرة، وتضاعيفها المهلكـة لـم تأت إلى الآن، وكأنهـا زلزال قوي ينتظر الناس الحركة الارتدادية التي تكون في أحيـان أعظـم من الزلـزال نفسه.

الهياج الجماهيري الذي حصل في السنوات الثلاث الماضية، وما تـلاه من اختلال في موازين القوى، وأحداث تونس وليبيـا واليمـن ومصر وسورية التي كانت أبشع المناظر، وسقوط بعض الحكام العرب، وقيام أنظمة جديدة، وما تلا ذلك من مفاجآت مثل: التقارب الإيراني الأميركي الذي كان نتيجة طبيعية لخطة "الشرق أوسط الكبير"، وتغـير التحالفات التقليديـة في منطقة الخليج والشرق الأوسط ووقوعها بين مشروعين توسعيين، مشـروع صفوي يريد إعادة الأمجاد الفارسية، ومشروع صهيـوني يريد تشتيت الأمة وتفتيتها ويحمل في طياته مطامع كبرى متنوعة ما بين سياسي واقتصـادي وحضـاري وأيديولوجي.

والناظر في حال بعض الدول العربية، وخاصة بعض دول الخليج، يجد أنها تتعامل مع الحدث تعامل المرتعش الذي يشعر بقوة خصمه من جهة أخرى، ولا يريد المواجهة ولا يحبذها، عنده قوة لكنه لا يثق بقدرتها في مواجهة القوى المتحالفة الجديدة، ربما يظن أنه سينجو من هذا الإعصار كما نجا مرات دون أن يكلف نفسه عناء المواجهة والمخاطرة والشجاعة، ولكنه في نفس اللحظة يدرك أن الموازين ليست هي الموازين، وصورة الواقع قد افترقت وتغيرت، مع حركة "تخويفية" كبيرة تمارس من خلال تضخيم حجم العدو، وتقليل قدرات الذات حتى لانت منا القلوب، منظر يذكرنا حين دخل التتار إلى بغداد فعاثوا فيها فساداً وقتلاً وتخريباً حتى إن العربي المسلم يقف في مكانه ينتظر المغولي يحضر السيف ليقطع رأسه بلا حراك.

نعم، إن التحديات جسيمة والأخطار محدقة، ولكن الأحداث الجسيمة هي التي تصنع الأمم حين تكون صادقة مع نفسها وحريصة على مواجهة أعدائها، ولا يتم ذلك إلا بالقوة والجسارة والمواجهة وتحمل التبعات، ولا يصح أن تربي أي أمة نفسهـا على الترف دون أن تكون مستعـدة في أي يوم لمواجهة خصومها، إنها حينئـذ تكشف زيف أناشيدهـا التي تدل على الفداء للوطن، والذود عن حياضه، وتستحـق بعد ذلك أن تهزم وتكون في ذيل الأمم، وكم من أمم قوية هزمت أمـام إرادة أمم أقل منها، ونحن هنا في موئل أفئدة المسلمين، في أرض الحرمين وقبلة المسلمين، الأرض التـي لم يظهر عليها جبار قط كما جاء في معنى "البيت العتيق" مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فالمسـاس بها هو مسـاس بالأمة كلها، ودونها تفدى الأرواح وتبذل المهـج من أي عدو داخلي أو خارجي، ولكن هذا القرار يحتاج إلى لحمة داخلية، ومحبة وترك التنازع والتناوش والتحـريض، والقيام بمهمـة الإصلاح من الجميع، وسد الثغرات التي ينفذ منها الأعداء والمبطلون، والوقوف أمام كل دعوة لإثارة النزعات العنصرية والطائفية والقبلية والأحقاد والضغائن وإثارة الشعور العام الذي يلهي الناس عن العدو الخارجي لمواجهة الفتنة الداخلية.

إني على ثقة بالله كبيرة، أن هذه الأحداث مهما تعاظمت وتضخمت إلا أن عاقبتها ستكون حميدة، فمن رحم المشكلات تنضج الأمم ويشتد عودها، وكلنا ثقة بقيادة هذا البلد وولاة أمره الذين يسعون جاهدين إلى تمتين العلاقة، وتوفير احتياجات الناس وتحقيق الرضا الاجتماعي الذي يسهم ـ بلا شك ـ في مواجهة العاديات التي يخطط لها أعداؤنا في الصباح والمساء.