لدينا كلّ شيء. المواهب الشابة، والإمكانات المادية والبشرية، والقصص التي تنبع من موروثنا الشعبي وخصوصيتنا الثقافية، ولكن ليس لدينا إدارات إعلامية تُفكر بشكل يثري أطفال الوطن، الذين سيحملون أمانة المستقبل، بقدر ما تفكر في إثراء كراسيها بقرارات تهتم بشكل الأستوديو، تسمع على إثره الكثير من المديح في لحظتها، وتصرف عليه الملايين دون اهتمام بجودة وكفاءة محتواه! فما نزال نتعامل مع عقول الأطفال كما الكبار، شكلا لا جوهرا، وقد بات أطفالنا اليوم في عصر الانفتاح الإلكتروني، وتفوقت عقولهم في نسبة المعرفة والذكاء، ومع ذلك ما نزال نقدم لهم الكرتون المتحرك المترجم أو التقليدي، الذي يُمارس وصاية فكرية تُضحك الأطفال علينا، ناهيك عن كونها مملة، ولا تحمل الجديد الذي يناسب عقل طفل يومنا هذا.

الصديقة الدكتورة لمياء باعشن، لديها مشروع تنهض به منذ سنوات طويلة حين كانت طالبة في أميركا، وعلى حسابها الخاص، وبجهدها الفردي، وكلفها مئات الآلاف، محاولة خلاله إحياء التراث الشعبي، فأخرجت لنا حكايات "السبات والنبات" التي أحبها الصغار والكبار، ونفضت الغبار عن الأهازيج الحجازية وأخرجتها لنا مغناة، وليس هذا فقط؛ بل أصدرت مجموعة قصصية مصورة للأطفال، وتحلم منذ ذلك الوقت أن تتبنى معها مؤسسة إعلامية بإنتاج تلك القصص وتحويلها من شخصيات على الورق إلى كرتونية متحركة؛ تنبع من تراثنا وواقعنا وحياتنا وثقافتنا المحلية والعربية بتقنيات عالية الجودة، مثل ما فعلت "ديزني" مع شخصيات تراثهم الغربي، التي باتت أقرب إلينا من تراثنا عند الأطفال.

وبالأمس، أقرأ تقريرا للزميل خالد الفاضلي في "العربية نت" عن الموهبة الشابة بسمة السناري، التي تجمع بين دراسة الدكتوراه التي أوشكت على الانتهاء منها، ومحاولتها صناعة أفلام كرتون متحركة تنبع من تراثنا العربي بتقنيات متطورة، ومع الأسف، لم تجد دعما رغم أن المقطع المصور الذي أنتجته لحلقة كارتون تُظهر ما لدى هذه الشابة من موهبة، وليست هي الوحيدة، فهناك الصديقة هناء حجار رسامة الكاريكاتير المعروفة، التي وصلت من المهارة في الرسم لأن تكون رسوماتها في عدة صحف كـ"عرب نيوز" و"عكاظ" وغيرها، وابتكرت شخصيات جميلة ومحببة اطلعت عليها بنفسي، وما زلتُ أتذكر حلمها بأن تكون شخصياتها الكارتونية المبتكرة متحركة في قوالب قصصية.. وهناك آخرون ولكن في نهاية الأمر هذه المشاريع مؤجلة وتستسلم للأدراج؛ لأن صناعة الكرتون صناعة مكلفة جدا تفوق صناعة الدراما بالملايين، ولكن تجار الدراما ينسون أنها أكثر ربحا منها.

وفي ظلّ إهمال مؤسسات الإعلام المحلية لهذه الصناعة، وانشغالها بما يشبع نهم الكبار في صناعة دراما محلية وخليجية معظمها "بائس"، وأقولها لكوني متخصصة في النقد الدرامي وليس فقط متذوقة؛ فأنا هنا أتمنى من القنوات التجارية كمجموعة روتانا وmbc ودبي وأبو ظبي وغيرها تبني هذه الأفكار والمشاريع، فهي مربحة ماديا لشاشاتها، وأيضا فكريا وثقافيا على نطاقنا الخليجي والعربي، وهي ليست عاجزة عن فعل ذلك والأمل فيها كبير.. وفي انتظار هذه الصناعة.