أنعم الله علينا في هذه البلاد بمن يقومون بخدمتنا في منازلنا وأعمالنا الخاصة من: عاملات في منازلنا، وسائقين، وبوابين، وحراس، ومعاونين في مختلف أعمالنا.. ومعظم هذه العمالة مسلمة وتأتي من بلاد لا تتحدث العربية.. وبعض هذه العمالة -حتى لا أقول معظمها أو جميعها وأحسَب مبالغاً- لا تجيد أمور دينها.

تريدون الدليل؟ خذوه.. اطلبوا من سائقيكم أن يقرؤوا لكم الفاتحة وبعض قصار السور من القرآن الكريم.. واطلبوا منهم أن يصلوا أمامكم.. واطلبوا من أم العيال أن تطلب من العاملات لديكم أن يقرأن الفاتحة ويصلين أمامها.. ستصابون بالذهول من هول ما تسمعون وما ترون.. هذه العمالة لا تجيد قراءة الفاتحة وقصار السور.. ولا تجيد تطبيق أركان الصلاة الأربعة عشر وواجبات الصلاة الثمانية.. ونعرف أنه إذا سقط ركن من أركان الصلاة تبطل.. نسأل الله القبول للجميع..

وفي مسجد الحي ترى بعض تلك العمالة تصلي أمامك، وعند السجود مثلاً يرفع قدميه عن الأرض في مثال صارخ لسقوط أحد أركان الصلاة من صلاة ذلك العامل، وهو السجود على الأعضاء السبعة.. كما ما تراه واضحاً أمامك من أركان لا تطبق فما بالك ببقية الأركان..

هؤلاء جميعاً مسؤوليتنا في البيوت وفي الحي.. والأمر والله ميسور.. فكل الجهد الذي نبذله لا يتعدى دقائق في اليوم منك أنت أو من أحد أفراد العائلة تأخذ العمال وتطلب منهم قراءة الفاتحة وقصار السور حتى يجيدوها ولن يمضي وقت قصير حتى يتمكنوا من ذلك وربما عادوا إلى بلادهم وعلموا أفراد عوائلهم قراءة ما تعلموه ويكون أجر العائلة مضاعفاً.. وهذا أيضاً ينسحب على تعليم الصلاة.. أما ما يتعلق بعمالة الحي من عمال نظافة والذين يعملون خارج المنزل ويصلون معنا في مساجدنا فإنني أقترح أن تتعاون جماعة المسجد على التعاقد مع أحد من مكتب الجاليات المرخصين لعمل حلقة لهذه العمالة قد تكون يوم الجمعة.. وهو يوم إجازة للعمال يأتون لمدة ساعة ليقرؤوا عليهم الفاتحة وقصار السور ويعلموهم أركان الصلاة وواجباتها وسننها ويحتسبوا الأجر والمثوبة من الله..

وأيضاً ربما عاد هؤلاء وعلموا أفراد عائلاتهم في بلادهم كيفية القراءة والصلاة وتوارثوا ذلك فيحسب الأجر لكم بشكل دائم مدى الحياة، وتأتيكم مثوبة ذلك من حيث لا تحتسبون.. وكل ذلك بجهد بسيط وبمبلغ قليل..

لا يُقبل بأي حال من الأحوال أن تأتي العمالة إلى منازلنا وإلى أحيائنا، ثم تعود إلى بلدانها كما أتت لا تحسن قراءة القرآن، ولا حتى القليل الذي يمكنهم من أداء صلاتهم بشكل صحيح.. ونحن قادرون على فعل ذلك..

إننا بفعل ذلك نعلم أولادنا درساً مهماً في الحياة يقومون بتطبيقه على عمالتهم عندما يكبرون.. بعض الإنجازات لا تحتاج منا إلى جهد كبير في حين تكون نتائجها عظيمة جداً.. مشروعنا اليوم الذي نقترحه يدخل في هذه المنظومة.. الجهد الذي نبذله بسيط بل وممتع والنتائج لا تخفى عليكم في أهميتها وعظمها..

نحن في هذه البلاد الكريمة نتمتع بخصوصية المكان والزمان.. بلادنا منطلق الدعوة المحمدية.. وحاضنة الحرمين الشريفين ويتجه إليها المسلمون في كل بقاع الأرض خمس مرات في اليوم.. ولا يليق بنا كبلاد ومواطنين نتمتع بهذه الخصوصية، أن تأتي إلينا عمالة لا تحسن قراءة القرآن والصلاة ثم تعود كما أتت..

هل أقول إننا مذنبون؟ لا أدري ولا أدعي الفتوى ولو أنني أظن أننا لا نخلو من مسؤولية من نوع أو آخر..

مشكلتنا الأخرى التي أنبه إليها قبل أن نبدأ في منازلنا وفي أحيائنا هذا المشروع العظيم، أننا يجب أن ننتبه إلى أننا يمكن أن نبدأ ثم ما نلبث أن نتوقف.. وهنا كأننا لم نبدأ ولم نعمل شيئاً.. فالاستمرار أهم من البداية.. وقد نتوزع الأدوار في المنزل بيننا، فكل منا يتبرع بساعة من وقته مرتين أو ثلاثاً في الأسبوع، يأخذ العاملات والعاملين إلى مكان منزو من المنزل لتنفيذ هذا المشروع..

إنه أفضل وقت يعود علينا بإذن الله في حياتنا وأخرانا.. لا نعده مضيعة بل نحتسب به.. فكروا معي في الأمر بعمق واسألوا هذا السؤال: هل نقبل على أنفسنا أن تأتينا عمالة وتغادرنا وهم لا يحسنون قراءة القرآن والصلاة؟ هل هي مسؤولية نحمل وزرها؟ حتى وإن لم تكن مسؤولية، هل نقبل ألا يحسن من يكون بين ظهرانينا سنتين على الأقل وهم لا يحسنون الوضوء وقراءة الفاتحة والصلاة؟

فكروا في هذا الأمر لتروا أنه من غير المقبول أن يكون ذلك.. فكروا في الهدف السامي جداً الذي تحققونه لهذه العمالة.. والسعادة التي تدخلونها على أنفسهم عندما يعرفون أنهم كانوا لا يجيدون أمور دينهم، وأنهم بفضل الله وتوفيقه لكم ولهم أجادوها.. فكروا في الدعوات التي تنصب لكم والخير الذي يأتيكم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها نتيجة هذا العمل العظيم في معناه، البسيط في تنفيذه..

لو عرفتم تدني مستوى معرفة بعض عمالتنا بأمور دينهم لما هنأ لكم طعام ولا نوم ولا شراب حتى تقوموا بواجبكم نحوهم.. أرجوكم أعطوا عمالتكم جزءاً يسيراً من وقتكم.