قضية الاختلافات الفقهية أحياناً في زكاة الأراضي المملوكة وغير المستغلة بالبناء أو التنمية بجميع أنواعها العمرانية والزراعية والصناعية هي قضية تحتاج إلى فتوى شرعية ملزمة لأصحاب الأراضي لتحقيق المصلحة العامة. وما أقصده الأراضي الفضاء المملوكة لأصحابها عن طريق الشراء من حر مالهم أو عن طريق المنح والهبات، وهي ظاهرة غير حضارية منتشرة داخل وخارج المدن وبين المدن المتجاورة مثل مكة المكرمة وجدة أو جدة ورابغ وغيرها من المدن في المملكة، الأمثلة كثيرة جداً وهي أراض يملكها أفراد أوشركات وعلى مساحات ضخمة تتجاوز ملايين الأمتار في بعض الأحيان لا يستفاد منها لا بالبناء للتنمية العمرانية ولا تباع ليستفيد منها المواطنون لبناء مساكن خاصة بهم، وتترك هذه الأراضي سنوات طويلة ثم تباع عندما ترتفع أسعارها إلى حدود عليا، ويمتنع أصحابها من دفع الزكاة عليها بحجة أن النية هي الاقتناء والبناء الخاص عليها ولا نية لهم في بيعها وبالتالي لا زكاة عليها.

وفي وجهة نظري أن زكاة الأراضي على اختلاف أنواعها مسألة أو قضية كثيرة التعقيد والتشابه في العصر القديم والحديث ورغم أن الشروط واضحة وصريحة في زكاة عروض التجارة إلا أن العديد من أصحاب الأراضي الفضاء يستندون في امتناعهم عن دفع زكاة الأراضي بشرط النية في الأراضي المعدة للبيع، وفي هذا يتحايل البعض لإسقاط نية التجارة في الأراضي ولا أعلم عن دواخل نياتهم عندما يتركون أراضيهم فضاء لعشرات السنين ثم يبيعونها بحجج فيها بعض من التحايل مثل البيع لتسديد ديون أو البيع لشراء أرض أفضل موقعاً ومركزاً. ورغم أن اشتراط النية في زكاة عروض التجارة هو مذهب كافة العلماء والذين طالبوا بوجوب الزكاة في عروض التجارة وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية ولم ألحظ في قراءتي في هذا الباب أي مذهب يستثني النية في العروض بدون نية التجارة، وطرق التحايل في دفع الزكاة كثيرة لا مجال لذكرها والأهم في هذا الموضوع هو النية وأن الزكاة لا تسقط بالحيلة بل هي واجبة في ذمة المتحايل على زكاة الأراضي وغيرها من عروض التجارة. فالزكاة حق على أصحابها وحق لأصحابها ممن يستحقون الزكاة حسب النص الشرعي، وأن من يتحايل عن دفع الزكاة يؤدي بفعلته إلى إلحاق الضرر بالفقراء وأن الفار من الزكاة لما قصد قصداً فاسداً اقتضت الحكمة معاقبتة بنقيض قصده ويرى الفقهاء في جميع المذاهب أن الزكاة توجب في الأراضي التجارية التي يتحايل أصحابها ببيعها قبل الحول بيعاً صحيحاً أو احتيالاً أو يتحايلون بتغيير النية من التجارة إلى غيرها.

ومن ضمن قراءاتي لبعض فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية اطلعت على إجابتها على السؤال عن قطعة أرض اشتراها إنسان بقرب مدينة مؤملاً وصول الرغبة إليها منذ أكثر من سبع سنوات وتقدر قيمتها بثمن شرائها وبربح بسيط فهل تجب في قيمتها الزكاة؟ وهل يزكيها قبل بيعها أو بعده؟ وهل الزكاة لعام واحد أم عن الأعوام الماضية جميعاً؟ فأجابت اللجنة بالآتي (هذه الأرض من عروض التجارة تُقوم إذا حال عليها الحول وتخرج زكاتها، ربع العشر من قيمتها، فهذه الأرض تجب الزكاة في قيمتها لجميع السنوات الماضية). أما بخصوص أراضي المنح الحكومية الخاصة سئُلت اللجنة أيضاً السؤال الآتي (أرض مُنحت لي من الحكومة منذ سبع عشرة سنة، وقمت ببيعها كيف أدفع زكاتها عن هذه السبع عشر سنة؟ علماً بأن أسعارها قد ارتفعت بالكثير عن سعرها منذ سبع عشرة سنة نتيجة التضخم والغلاء. فأجابت اللجنة: (يبتدي وجوب الزكاة في هذ الأرض من تمام الحول بعد نية بيعها فعلى هذا الأساس تُقوم كل سنة بما تساويه من القيمة لتلك السنة وتخرج زكاة قيمتها، لأنها من عروض التجارة).

إن طرحي اليوم موجه إلى أصحاب ملايين الأمتار المملوكة منحاً أو شراء مؤكداً لهم أن الله أعلم بالنيات وإذا استطاعوا أن يخفوا نياتهم أمام البشر هروباً من حق كتبه الله عليهم فإن الله عليم خبير بما في النفوس، وإن حبسهم لهذه الأراضي يحرم بقية أبناء المجتمع من الاستفادة منها فنحن نمر في أزمة إسكان ومن أسبابها عدم توفر الأراضي أو الأراضي ذات الأسعار المناسبة. إن حبس الأراضي يرفع من قيمتها أحياناً وإن بيعها يساهم في زيادة المعروض منها ويسهم في خفض أسعارها. إنها قضية تعاني منها جميع المدن في المملكة وإذا كان أصحاب الأراضي الفضاء مُصرين على حبس أراضيهم فعليهم دفع الزكاة شرعاً عليها بدون تحايل في النيات. وهنا أقترح إنشاء صندوق خاص بزكاة الأراضي الخاصة على أن يتولى هذا الصندوق استخدام إيراداته لبناء المساكن للفقراء من زكاة الأراضي وسيكون لها أثر اجتماعي وإنساني كبير في نفوس أبناء المجتمع وعلى وجه الخصوص الفقراء منهم لأن نقمة الفقراء على الأغنياء وأصحاب الأملاك والأراضي غير المُنتفع بها هي نقمة كبيرة لن يزيلها إلا أعمال مثل هذه الأعمال الاجتماعية.