ليس أمام المقبلين على الحياة إلا التفاؤل.. وليس أمام أهل الخبرة والتجارب إلا الشفقة على من وضع في مكان التحدي.. ومن طبيعة سلوك "أصحاب المصالح" الخوف من مجهول يعرض مصالحهم للخطر أو ينقص مكاسبهم أو يضيق حرية حركتهم.. ويمكن أن نقدر أن نظرة الكثيرين إلى مهمة معالي وزير العمل المهندس عادل فقيه تدور بين التفاؤل والشفقة والخوف: التفاؤل بأن يجد ما يعينه على إنجاز ما عجز عنه الآخرون. والشفقة مبعثها الحمل الثقيل الذي تتعلق به أنظار أجيال من أبناء وبنات هذا الوطن المتطلعين إلى توفير أسباب الحياة الكريمة. والخوف من أن تكبل خطواته وتثقلها عراقيل وحواجز منظورة وخفية.. ويبدو أن قدر الرجل أن يوضع على كراسي "الابتلاء"، فقد ساقته الأقدار إلى كرسي أمانة جدة، تلك المدينة المثقلة بهموم الإهمال والتراخي وها هو يخرج من "مستنقعها" ليمشي على "جمر التوظيف".

ومما يزيد من تفاؤل البعض أن الرجل يأتي لوزارة "العمل" من قطاع الأعمال بعد أن خبر دهاليزه وعرف فنون قفزه على حواجز الأنظمة. ولا تنقصه معرفة واقع "الشفاطة" البيروقراطية التي تمتص الطاقات وتبطء الخطوات بأثقالها التي تشد إلى جاذبية المصالح. ومن مثيرات الشفقة من البعض أنه يأتي إلى كرسي تحرك تحت "عملاق" شغل الناس حيا وميتا، مكنته مواهبه المتعددة من جذب "هالة" إعلامية، إن لم تجامله فإنها تتردد في مهاجمته.. فإذا كان العملاق غازي القصيبي ـ تغمده الله بالرحمة ـ الذي استوزر لثلاثين عاما وتمتع بثقة أولياء الأمر واستند على رصيد أكاديمي وسياسي يمكنه من المشاركة الفعالة في رسم البرنامج الوطني التعليمي لم ينجح في الخروج من "نفق" توطين الوظائف.. إذا كان رجل بوزن القصيبي، ذهب إلى ربه وفي نفسه حسرة وفي قلبه غصة من "السعودة" فكيف سيكون حال من يخلفه؟.. ويزيد من خوف البعض أن تتكتل المصالح "الخفية والظاهرة" ضد القادم وترى أنها فرصتها للخروج من دائرة تهديد مصالحها بعد أن نجحت في "مقاومة" كل أسلحة وزارة العمل في ظل الوزير "المرعب".

وبعيدا عن التفاؤل بالوزير والشفقة على الوزير والخوف من الوزير فإن هناك عناصر موضوعية تستدعي الوقوف عندها من الجميع لأنها تمس كل الوطن ولا تقف عند منطقة أو بيئة أو شريحة أو فئة. ولكن قبل الإشارة إلى بعض ما يستحق التوقف، أقول لمعالي الوزير عادل فقيه: لا تحزن إذا لم تجد حولك "جوقة" تعزف ألحان الرضا، فأنت تجلس على كرسي المتاعب الذي تمتد أرجله إلى داخل كل بيت ويؤثر دورانه على مستقبل جيل من الشباب والشابات اليوم وغدا.. ولا تنزعج إذا لم تر الذين كانوا يتدافعون من حولك فانفضوا بعد أن جلست على الكرسي الساخن بلا وسائل "تبريد" كنت تملكها في مواقع سابقة.. ولا تشغل نفسك بأضواء الإعلام إلا بالقدر الذي تمنحك فرصة التواصل مع الناس وتبصير الشركات والمؤسسات ومراكز الإنتاج بأخطار تجاهل نتائج البطالة على مجمل أهل هذا الوطن فبركانها إذا انفجر لن يسلم من ناره غني أو فقير.

دعك من الأضواء ـ الآن ـ وفكر في التحديات التي أمامك، وأعتقد أن من أهمها: النجاح في إحلال السعوديين محل الأيدي العاملة الوافدة دون التأثير السلبي على دورة الإنتاج الاقتصادي التي يساعد نموها في توفير فرص التوظيف، ثم القدرة على الوصول إلى معادلة ـ لا تخل بشروط الاقتصاد الحر وقانون العرض والطلب ـ تدفع بالشباب إلى مراكز الإنتاج، مع إيجاد صيغة تقلل من الفجوة بين الميزة النسبية للعمالة الوافدة والأيدي العاملة الوطنية.. وسيكون من التحديات أمام معالي الوزير النجاح في إيجاد "تركيبة" تضمن توجيه مناهج التعليم إلى ما يهيئ الشباب إلى متطلبات سوق العمل. ثم التحدي المقلق: إيقاف "سيل" الاستقدام الذي يجرف في طريقه كل المحاولات لإفساح الطريق أمام السعودة.. هذا "السيل" هو الخطر الحقيقي والتعامل معه يحتاج إلى جرأة ووضوح وشفافية وعلمية تحلل مكوناته وترصد تدفقه والجهات التي تغذي هذا النبع الذي لا يتوقف.. يحتاج الأمر إلى فحص "تراكم" الأيدي العاملة الوافدة، وماذا تضيف لمخرجات الاقتصاد؟. الحديث عن الأرقام الصماء لا يساعد على معرفة "مناطق ونقاط الضعف في برنامج الاستقدام"؛ فهل يمكن أن تصل وزارة العمل إلى "جردة" تكشف حجم العمالة "السائبة" في سوق العمل؛ ومن أتى بها؟ وكيف استطاع المتورطون التغطية عليها سنين طويلة؟ وهل تنجح وزارة العمل بالتعاون مع هيئة الاستثمار في بلورة دور فعال وواضح لمساهمة قطاع الاستثمار الأجنبي في حل مشكلة البطالة المتزايدة؟ أعتقد أن خبرة أصحاب المعالي وزير العمل ورئيس هيئة الاستثمار ـ وكلاهما آت من القطاع الخاص ـ تمكنهما من "المصارحة" والمكاشفة ووضع النقاط على الحروف في هذا المجال. وكيف يمكن لوزارة العمل أن تنجح في "جمع" الكلمة ـ بصورة عملية ـ لرسم سياسة وطنية معتمدة يلتزم بها في مجال الاستقدام بحيث تجعل "الحاجة" الحقيقية مبررا موضوعيا لإعطاء التأشيرات. وأن هذه الحاجة تتم مراجعتها من حين إلى آخر فلا يبقى مبرر التأشيرات مفتوحا لمن لا يحتاج إليها. وهل يمكن للوزارة أن تتحرك في اتجاه الدول التي تستقدم منها العمالة وتتعاون معها في صقل مهارة العمالة القادمة قبل وصولها حتى لا تتحول مشاريعنا إلى ورش يتدرب فيها القادمون، فتكون خسائرنا مضاعفة: زيادة بطالة أبنائنا وهشاشة مشاريعنا. وهل تسرع الوزارة في إيجاد وسائل وضوابط "تحاصر" العمالة السائبة وتقلل من فرص تشغيلها، ففي ظل الحاجة الفردية ووجود من يقوم بالعمل ستظل مخالفة النظام مستمرة، لكن إذا تمكنت الوزارة من وضع برامج أو إنشاء كيانات توفر العمالة المؤقتة فحينها لن يضطر المواطنون إلى التعامل مع الوافدين المخالفين. وكيف يمكن للوزارة أن تجد منظومة من الإجراءات والتدابير والبرامج التي تضيق الفجوة بين تكاليف العامل الوافد وتكاليف العامل الوطني؟.. قد نحتاج إلى رفع الأجور أو تحديد الحقوق والواجبات "للوظيفة" بحيث لا يبقى مبرر "التكلفة" دافعا تبرر به مراكز الإنتاج تفضيل الأيدي العاملة الأجنبية.

ليس لدي شك في أن معالي الوزير ومساعديه المتخصصين وطاقم وزارته المعنيين بالسعودة يعرفون أكثر ولديهم رؤية أوسع للمشكلة؛ لكن هدف هذه السطور هو زيادة الإحساس بحجم المشكلة عند الجميع؛ والتأكيد على أن حلها مسؤولية جماعية تقتضي التكاتف والتقدم إلى ميدان الحلول العملية بدلا من البقاء في دوامة التردد.