اكتب هذا المقال متوجهاً به إلى مدير الدفاع المدني أولاًًًً وإلى مجتمع هذا البلد الكريم المعطاء، وموجهاً فيه أسئلة لا بد من الإجابة عنها إن أردنا أن نتقدم بخدماتنا إلى مستوى يليق ببلادنا. حادثة لمى الروقي تطرح الكثير من الأسئلة حول مستوى التدريب والفاعلية والخبرة لدى الدفاع المدني لتؤكد ما نظن أنه واقع هزيل لمستوى التدريب، وخبرات متواضعة لهذا القطاع عندما يتعلق الأمر بحوادث على مستوى معين، خصوصاً أن حادثة لمى حدثت في بلاد عديدة وتم إنقاذ الذين سقطوا أحياء وقبل فترات طويلة كان أجدى بالدفاع المدني أن يستعرضها بهدف التدريب ومعرفة الآليات والطريقة التي يجب أن تتم، سأسوق هذه القصة ولنقارن ما تم فيها وما تم في حادثة لمى الروقي.
قبل عشرين عاما، وبالتحديد في أكتوبر من 1987 سقطت الطفلة جيسكا ماكلور، ذات الثمانية عشر ربيعاً، في بئر (ارتواز) مهجورة عندما كانت تلعب مع أطفال في الحديقة الخلفية لإحدى المنازل في قرية مدلاند بولاية تكساس الأميركية، - ولا أحد يقول لي لا تقارن، بل سأقارن لأنه ليس هناك ما يمنع أن تكون مؤسساتنا في مستوى مؤسساتهم - تم إبلاغ الدفاع المدني، وعلى الفور أنزلوا أنبوب أكسجين وأنبوب هواء للحفاظ على درجة البئر عند 80 درجة فهرنهايت (26.6 مئوية) وسماعات ليُسمعُوها صوت أمها والأغاني التي تحبها ومايكرفون ليسمعوا بكاءها، للإطمئنان عليها، وخلال 6 ساعات فقط حفروا بئراً إلى مستوى موازٍ لعمق البئر الموجودة فيها الطفلة، وخلال ساعات حضر الإعلام بقضه وقضيضه، وحبست أميركا كلها أنفاسها وانتقل الأمر إلى الإعلام الدولي (وهنا أرفق رابط فيديو لكامل تفاصيل الحادثة هدية للدفاع المدني فربما استفاد منها بعد 20 عاما من هذه الحادثة التي يُفترض أن يكون قد حللها أو حلل أحداثا شبيهة بها وتدرَّب عليها).
http://youtu.be/I7SF733CGC4
وتحول اهتمام المجتمع بأسره إلى تلك القرية الصغيرة وبدأ رجال الأعمال في إرسال خبراء بطائراتهم الخاصة إلى موقع البئر في قرية مدلاند، وبدأت الشركات كلٌ فيما يخصه بإرسال الطعام والشراب والدعم، وتضافرت كل الجهود إلى أن تم إخراج جاسيكا خلال 58 ساعة حية ترزق، وهي الآن سيدة في العشرين من عمرها وأم، - تابعوا مشاهدة الفيديو والذي لم يُجهش بالبكاء على لمى الروقي يخبرني -. الآن يحق لنا كمجتمع أن نقارن بين الجهود التي بُذلت خلال 58 ساعة ونجحت في إخراج طفلة حية سليمة وبين جهود لم تتمكن من إخراج طفلة حية أو ميتة، وأقول لكم بالفم الملآن إذا لم تتم المحاسبة سيستمر مسلسل القصور والأخطاء، وإذا كنا نتحدث عن قصور إمكانات الدفاع المدني فإننا نتحدث عن قصور المجتمع بأسره، فلم يقف الإعلام الوقفة المنتظرة منه، ولم يُسهم أفراد المجتمع من رجال أعمال وأصحاب شركات وغيرهم في هذه الحادثة، ففي حالات الكوارث لا يتوقف الأمر على الدولة فقط بل لا بد أن تكون لدينا ثقافة المشاركة المجتمعية بالدرجة التي نشاهدها في الفيديو المرفق لحالة جاسيكا، بحيث يَهُبُّ المجتمع بأسره ليقف إلى جانب الدولة دون أن يدعوه أحد، نحن كمسلمين وخصوصاً في هذه البلاد أولى من أي مجتمع آخر في الوقوف بجانب الدولة والمساعدة في حالات الحوادث، أما ما يخص الجهود التي بذلها الدفاع المدني فقد رأينا عملاً يستمر أربعا وعشرين ساعة بآليات لم تفلح وجهود لم توفق وتوسل لجهات عديدة مثل أرامكو والجامعة القريبة من الحادث وخبراء بطريقة تدعو للشفقة على هذا الجهاز الذي يتوسل لإنقاذ نفسه من الحرج الذي وقع فيه، بسبب اجتهادات ليست في مكانها في الوقت الذي يفترض أن تكون لديه دراية كاملة للخطوات التي يجب أن يعملها في مثل هذه الحوادث دون استجداء أحد ليعلمه كيف يؤدي عمله في وقت حساس، بالغ الحرج، الدقيقة فيه ثمينة جداً، وهو كالتائه يذهب يمنة ويسرة لا يعرف ماذا يعمل. رأينا آليات عملت لفترة طويلة بالقدر الذي لم تتمكن فيه من انتشال أشلاء الطفلة إلا بعد مرور 18 يوما من سقوطها، واتضح أن كل عمله لا ينم عن دراية، وفي المؤتمر الصحفي تم التبرير غير المنطقي بأن العمل كان طوال الأربع والعشرين ساعة، وتم الاعتذار عن عدم وجود معدات، هذا يدعو للحسرة والأسف ونحن في المملكة المعروفة بإمكاناتها الضخمة، فهناك بلا شك خلل، وإننا نتساءل أين الخلل؟ ولماذا تم إنقاذ أطفال بنفس الظروف في دول أخرى ولم يتم إنقاذ لمى؟
لك الله يا لمى، الأمر ليس جديدا يا سادة، لماذا لم نتعرف على كيفية التعامل مع مثل هذه الحوادث ولماذا لا توجد لدينا آليات ومعدات وخطوات نتبعها في مثل هذه الحوادث؟ لماذا يمضى الوقت في حادثة لمى ونحن نستجدي أرامكو وبن لادن والجامعة والخبراء؟ هذه الحادثة ليست مسؤولية الخبير الإيطالي ولا هي مسؤولية أرامكو ولا مسؤولية ابن لادن ولا الجامعة، لأنها ببساطة حادثة سبق وأن وقعت في دول كبيرة وصغيرة ونجحت في إنقاذها، وكان الأجدر بالدفاع المدني ألا تكون هذه الحادثة جديدة عليه، لماذا مؤسساتنا تبرر أخطاءها؟ ثم لماذا نقبل تبريرها؟
الدفاع المدني عمل 24 ساعة لمدة 18 يوما، وبذل جهودا كبيرة، لكن عمله كان في الاتجاه الخاطئ. وبوضوح لم تكن لديه دراية بكيفية التعامل مع مثل هذا الحوادث، بل قضى الوقت في استجداء جهات ليست مسؤولة، والمفترض ألا تكون هذه الحادثة بالنسبة للدفاع المدني جديدة، ثم إن مجتمعنا بفئاته التي ذكرت آنفاً كان غائبا وللأسف، أقرؤوني جيداً وتذكروا هذا الكلام: إن لم تتم المساءلة والمحاسبة في مثل هذه الأخطاء سنستمر في دفع فواتيرها، وربما يكون الثمن غالياً متمثلاً في حياة ودماء أبرياء، هذه رسالة مخلصة أمينة إلى وطني.