في ميدان العولمة تختلط الأوراق على العامة وتتوارى الحقائق خلف السياسة وينبري الإعلام لتغليب المعتقدات على الواقع. فعلى الرغم من أن نسبة العمليات الإرهابية في العقد الماضي انخفضت في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 11%، مسجلةً بذلك أقل المعدلات في العالم، إلا أن شعوب العالم لا زالت تضع أمتنا الإسلامية في مقدمة الدول الراعية للمنظمات الإرهابية، لنبقى الأمة الوحيدة في تاريخنا المعاصر التي تعاني من وصمة الإرهاب.
في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن المنصرم ارتفع متوسط عدد العمليات الإرهابية في العالم إلى 613 عملية سنوياً، وحازت أوروبا على المركز الأول بارتكاب 54% من هذه العمليات، وجاءت أميركا اللاتينية في المرتبة الثانية بنسبة 21% ثم أميركا الشمالية بنسبة 14%. وبينما انخفض نصيب الشرق الأوسط من العمليات الإرهابية مطلع العقد الجاري إلى 7%، ارتفعت هذه النسبة إلى 31% في أميركا اللاتينية والشمالية و22% في أوروبا و18% في آسيا و13% في أفريقيا و9% في يوراسيا.
هذه الإحصاءات تتزامن مع ارتفاع عدد المنظمات الإرهابية في العالم التي فاقت اليوم 2377 منظمة، لتحتل أوروبا المرتبة الأولى بعدد 655 منظمة، تليها آسيا بعدد 506، وأميركا اللاتينية بعدد 378، بينما انخفض هذا العدد إلى 319 منظمة في الدول العربية و238 في أفريقيا و80 في دول أميركا الشمالية. وبذلك نجد أن أوروبا تحتوي على 28% من هذه المنظمات الإرهابية، بينما لا تزيد نسبتها عن 10% في أفريقيا و13% في عالمنا العربي.
تعود ظاهرة الإرهاب إلى ارتباطها الوثيق بالتطورات التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للقرية الكونية. وبما أن عالمنا الإسلامي جزء لا يتجزأ من القرية الكونية، فقد كان لأعمال العنف والإرهاب أساليبها ومسالكها، وطالت المملكة لكون الإرهاب آفة خطيرة لا وطن ولا دين له ولا يعرف جنساً ولا زمناً ولا مكاناً. لذا قام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بإطلاق مبادرته للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في القمة الإسلامية الاستثنائية التي عقدت بمكة المكرمة عام 2005، التي توجت بإنشاء مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار، مما أسفر عنه تأسيس المركز بين المملكة وإسبانيا والنمسا واختيار مدينة فيينا مقراً للمركز في 26 نوفمبر 2012، بحضور أكثر من 850 شخصية عالمية من القيادات الدينية والسياسية. ودعا خادم الحرمين الشريفين إلى وقفة حازمة في مواجهة الفكر المنحرف باعتباره أشد خطراً وفتكاً على الأمة، والاتفاق على كلمة سواء، والتصدي بكل عزم وحزم لدعاة الفتنة والضلال والانحراف الذين يسعون لتشويه سمعة الإسلام. وبمبادرة أخرى من الملك عبدالله تم إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة في سبتمبر 2012، ليبلور فكرة التعاون والتنسيق الدولي في مواجهة الإرهاب تحت مظلة أممية. وتأكد الالتزام السعودي مجدداً عبر التبرع السخي بمبلغ 100 مليون دولار لدعم المركز وتفعيل نشاطه.
المملكة كانت أول دولة توقع على معاهدة مكافحة الإرهاب الدولي بمنظمة المؤتمر الإسلامي في شهر مايو من عام 2000. كما كانت المملكة سبّاقة في حث المجتمع الدولي على التصدي للإرهاب وتبني عمل شامل في إطار الشرعية الدولية يكفل القضاء على الإرهاب ويصون حياة الأبرياء ويحفظ للدول سيادتها وأمنها واستقرارها. واستمراراً لاجتثاث آفة الإرهاب فقد صادقت المملكة على الاتفاقية الخاصة بمكافحة بالجرائم على متن الطائرات (طوكيو، 1963)، واتفاقية مكافحه الاستيلاء غير المشروع على الطائرات (لاهاي 1970)، واتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامه الطيران المدني (مونتريال، 1971)، واتفاقية منع الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص المتمتعين بحماية دوليَّة بمن فيهم الموظفون الدبلوماسيون والمعاقبة عليها (نيويورك، 1973) والاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن (نيويورك، 1979). كما انضمت المملكة إلى اتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحريَّة (روما، 1988) والبروتوكول المتعلّق بقمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة المنشآت الثابتة الموجودة على الجرف القاري (روما، 1988) واتفاقية تمييز المتفجرات البلاستيكية بغرض كشفها (مونتريال، 1991) والاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب (نيويورك، 1999) والاتفاقية الدوليَّة لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل (نيويورك، 1997) واتفاقية قمع الإرهاب النووي (نيويورك، 2005) واتفاقية الحماية المادية للمواد النووية (فيينا، 1980).
كما انضمت المملكة إلى معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي 1999 ومدوّنة قواعد السلوك لمكافحة الإرهاب الدولي المعتمدة من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي في عام 1995، والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب خلال اجتماعات مجلس وزراء الداخلية والعدل العرب المنعقدة في 22 أبريل 1998، والاستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب الصادرة عام 1996، واتفاقية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لمكافحة الإرهاب لعام 2004، والاستراتيجيّة الأمنيّة الموحدة لمكافحة ظاهرة التطرف المصحوب بالإرهاب لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في عام 2003.
وعلى الصعيد المحلي، نجحت المملكة في اجتثاث شأفة الإرهاب بفضل الاستراتيجية الأمنية التي وضعتها القيادات الأمنية وحازت على تقدير العالم بأسره. فمن خلال المعالجة الأمنية والمعالجة الوقائية حاربت المملكة الإرهاب المحلي، ليسجل رجال الأمن إنجازات غير مسبوقة، تمثلت في الضربات الاستباقية وإفشال 95% من العمليات الإرهابية. كما تم اختراق الدائرة الثانية لأصحاب الفكر الضال وهم المتعاطفون والممولون للإرهاب، الذين لا يقلون خطورة عن المنفذين للعمليات الإرهابية فتم القبض على الكثير منهم.
اجتثاث آفة الإرهاب لا يتحقق بالأحلام فقط.