يوسف آل حازب
مما لا يخفى على ذي لب أن الدين الإسلامي دين عظيم متكامل، فلا يمكن تطبيق جزء منه وترك الباقي، ولذلك دخل الناس في دين الله أفواجا. وكيف لا يدخلون وهذا الدين دعا إليه وتفانى في نشره خير خلق الله محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم الذي قالت فيه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها (كان خلقه القرآن)، فأي خلق كالقرآن الذي أضاء الدنيا كافة.
ولعل المتتبع لسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام يجده ما خرج قيد أنملة عن منهج القرآن حتى قبل البعثة، حيث كان يتحلى عليه الصلاة والسلام بالصفات النبيلة التي تحترمها كل الأديان في كل زمان ومكان، فكان أمينا لا يخون ولا يضيع الأمانة، ولذلك كانوا يسمونه بالأمين، وكان صادقا ما رصد عليه من عاشره من أهله وأقرانه وكل قريش قبيلته كذبا فكانوا يسمونه الصادق. ولذلك فالدين الإسلامي قد توطدت صورته في سلوك المصطفى عليه الصلاة والسلام قبل البعثة، وعندما صدع بالحق وأعلن دعوته التي أخرجت الخلق من عبادة المخلوق إلى عبادة الخالق، لم يكن هناك تناقض بين سلوكه وما يدعو إليه مما خلق عاملا جاذبا لهذه الدعوة اليتيمة في تلك الفترة التي لا نظير لها على وجه الأرض، مع انعدام كل المقومات المحسوسة لنشر مثل هذه الدعوة في تلك الفترة الزمانية والمكانية، فلا مال يجذب الأنصار والمؤيدين ويشتري الذمم، ولا قوة عسكرية تخضع الضعفاء قسرا للانصياع لتلك الفكرة. كما أنه يعيش في بلدة ملئت جنباتها بالأصنام التي تعبدها العرب من دون الله. فكيف لدعوة أن تنتشر في مثل هذه البيئة؟ ولكن القوة العظيمة التي طوعت تلك الظروف - بعد تمكين الله - هي امتثال الحبيب لتوجيه ربه عندما قال (ادع إلى ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ...)، ولعلنا نرى كيف تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع كل من أساء إليه سواء في مكة أو بعد هجرته إلى المدينة المنورة. فلا ننسى موقفه من كفار قريش عندما فتح الله مكة المكرمة له إذ كانوا يتوقعون من خلال سلوكهم السيئ أن يسيىء عليه الصلاة والسلام إليهم - وكان ذلك منطقيا من خلال النظرة البشرية القاصرة - إلا أنه أظهر حقيقة الإسلام الذي جاء لينشر السلام والسلم والمحبة وليرسخ أن القناعة بالفكرة هي مولد الانتصار.
ولا ننسى موقفه مع جاره اليهودي الذي كان يتعمد إيذاءه في المدينة المنورة وكان يتعمد عليه الصلاة والسلام الإحسان إليه حتى إنه أفتقد أذاه ذات يوم وعلم أنه ما منعه من الأذى إلا مرضه عندها نرى السلوك الإسلامي الذي تمثل في خلق الرسول صلى الله عليه وسلم فزار ذلك اليهودي وأطمأن على صحته. هذه المعاملة الحسنة فتحت قلب ذلك اليهودي للإسلام فأسلم. بلا إجبار أو غصب. نحن الآن نفتقد قاعدة مهمة وهي أن الدين المعاملة، فصرنا في كثير من الأحيان نصرف الناس عن الإسلام بتصرفاتنا، فنقسو على الجاهل ونتصيد أخطاء الغافل، ونشحن مواقف المتساهل، ونحن بهذا نتوقع أننا ندعو للإسلام والحقيقة أننا ندّعيه نظريا ونتجاهله عمليا، فانتشر الجهل، واختلفت القلوب وكره من لم يسلم الإسلام حتى قبل أن ندعو إليه فكيف يتقبله، أو يؤمن به؟
يجب أن نعلم أن الدين الإسلامي جاء لينقذ الناس من الكفر الذي يرديهم ويفسد عليهم معاشهم ومعادهم. ولن يكون الإسلام بهذه الصورة المشرقة إلا عندما ندرك فعلا أن الدين المعاملة ليس فقط مع المسلم، فهذا واجب بحكم أخوة الإسلام، ولكن المعاملة مع غير المسلم الذي يبحث عمن يخرجه من ضياعه إلى دين الله القويم.