قبل قرابة السنة تعرض أحد الآباء لابنته بالتعنيف والضرب المستمر حتى فارقت الحياة، وقبل أيام قليلة شاهدنا عشرينيا يتحرش بفتاة صغيرة عند مصعد البناية، وتتوالى الأحداث التي تشعل غضب السعوديين في كل مرة وتثير احتقانهم، ولكنني ألاحظ دائما إذا تحدثنا عن الأسباب أو الدوافع لحدوث أي جريمة، كطريقة لتوعية المجتمع والوقاية من الوقوع فيها، يفسره الجاهل بالتبرير لفعل المجرم والظن بأن الرأي النفسي والاجتماعي يتسامح مع جريمته.
لو ذكرنا كمثال قضية ذلك الأب الذي قتل ابنته ذات الخمس سنوات، وقصة هذا الرجل تتلخص فيما سبق لوقوع الحادثة بما كان يعرف عنه من إدمانه للمخدرات، ثم حين حاول تصحيح سلوكه لم يجد إلا نمط شخصية الشيخ والداعية المتدين، وكما يظن الكثير من الناس أنه المظهر الذي يحقق له الاحترام في عين المجتمع حتى ولو كان بغير قناعة، كان البعض يلاحقونه بذنوبه، ويذكرونه بها، مما جعله يشعر بأن مجتمعه يرفضه مهما فعل، وأن ذنبه يظل وصمة عار لا يمكنه الخلاص من سوادها، فمن الطبيعي أن تنتج عنه سلوكيات إجرامية ومنحرفة إذا وقع تحت هذه الظروف، وهذا مثال بسيط لطريقة التعامل التي يعانيها أي شخص في مثل حالته.
ترتفع معدلات الجرائم بين أفراد المجتمع الذي يعانون من سوء الظروف الاجتماعية وصراع الرغبات الذاتية في حين لا يعطيهم مجتمعهم الفرص في النجاح وتكافؤ فرص العمل والقدرة على الإنتاجية. وإذا نظرنا لمسببات الجرائم وانحراف السلوك المتكرر، نجد أن انعدام التسامح مع المذنب والخارج عن نسق المعايير الاجتماعية قد يكون أحد أسبابها، حتى ولو كان المجرم قد نال عقوبة نظامية، فالبعض من المنحرفين لا يرى جدوى من محاولات تصحيح السلوك، إنما السوء في تعامل الناس يدفعه لأن يكون شيئا آخر عكس ما يريد، وهذا يعني أن مجتمعنا ليس بالفاعلية الإيجابية التي تحقق قيمة التكافل بين الأفراد، بعكس المجتمعات الغربية.
أهم النظريات في تحليل الجريمة تأخذ بالبعد الاجتماعي من جهة، وبالاعتبارات الأخرى النفسية والبيولوجية للإنسان من جهة أخرى، وإذا كنا نسلم بأن الخطأ سمة بشرية في الناس، فإن ملاحقة الآخر بعيوبه وأخطائه لا يمكن أن تصنع منه إنسانا صالحا. وإذا كانت الآراء النفسية والاجتماعية تتحدث عن الأسباب التي تراها من منظور علمي، فمن المفترض أن يكون المجتمع أكثر وعيا لفهم هذه الأسباب، وهذا يسهم في زيادة الوعي بأسباب الانحراف وتبني الإنسان قبل أن تنشأ فيه الجريمة، أو على الأقل إيقاف حالته من التدهور، إذا كان من أصحاب السوابق، وهذا ما يساعد على الحد من السلوك الإجرامي، وخلق مجتمع تفاعلي وأكثر تكافلا، فالتنظيم والتنسيق بين العلاقات والوظائف الاجتماعية يؤثران في التطور والتغير اللذين يحدثان للمجتمع، كالتعاون والمنافسة والتمثيل الاجتماعي.