التغيير الإيجابي سمة من سمات المجتمعات الحيّة التي لا ترضى بالبقاء طويلا في المربّعات الخلفية ولا التمترس في الخطوط المتأخرة. المجتمعات التي تأنف من أن تكون بليدة كسولة كتلك المجتمعات التي تعض على واقعها بالنواجذ وتخشى أن يداهمها الجديد فتفقد توازنها، كونها لا تتعاطى مع معطيات الحاضر بإدراك وفهم عميقين ولا تستشرف المستقبل برؤية ثاقبة.

أحسن الشيخ سلمان العودة في طرحه لموضوع التغيير في برنامجه "حجر الزاوية" مع المتألق فهد السعوي، وهو الذي ذاق ثمار التغيير بعد أن تجرع مرارات التجارب المتعاقبة ليقدم لنا تجربة أكثر نضجا وثراء. لم يكن التغيير في حياة الدكتور سلمان مقصوراً على شكله الخارجي وتحوله من العشوائية والرثاثة وهزالة الترتيب إلى التنظيم والتأنق والدقة في اختيار الزي، بل تعدى إلى ما هو أعمق وأكثر تأثيرا. تغير في نظرته للمخالفين له في الفكر والتوجه وفي قبوله للرأي الآخر وطرح رؤية وسطيّة معتدلة تربأ بذاتها عن التشدّد والانغلاق ونمطيّة القوالب الجامدة.

التغيير الجميل الذي مرّ به الشيخ العودة كان عسيرا منذ أيام المعهد العلمي والمراكز الصيفية مرورا بعصر الانتشاء الصحوي والظهور المختلف في أواخر العقد الأول من الألفية الثالثة. ويلفتنا إذ يؤكد على نوعية التغيير الذي اعترف به حين قال: "إن الموتى هم فقط من لا يتغيرون"، في إشارة إلى أن الكائن الحي فقط مُعرَّض للتغيير، لأن التغيير ببساطة سنّة كونية لا يمكن العيش بمعزل عنها.

ومن المؤكّد أن التغيير لا يستهدف القشور بقدر ما يرمي إلى تعديل القناعات والاتجاهات. وإذا ما تطابقت أحاديث "العودة" مع التبدّل في قناعاته واتجاهاته الذاتية غير المرئية جاز لنا أن نصف هذا النوع من التغيير بالرائع والإيجابي، لأنه يقدم دعوة مجانية للمتسمّرين في أماكنهم بلا حراك ليتعاطوا مع واقع الحياة المعاصرة دون أن يتنازلوا عن قيم الدين ومبادئه الأصيلة. فما أجمل التغيير إذا كان بتبديل أساليب التعامل مع الناس ومعطيات الحياة بطريقة تضمن التوازن "لا تشدد ولا انفلات".

من يرفض التغيير الإيجابي؛ إما أن يكون جاهلا أو كسولا أو متعصبا أو متحجرا أو مستفيدا من الوضع السلبي الذي يعيش فيه أتباعه ومريدوه. هؤلاء لا يمكن أن يسعوا للتغيير.. سيحاربونه ويقفون ضدّه حتى يُفرض عليهم.