ثار الجدل حول فكرة الجهاد من جديد، بعدما استعرضت إحدى حلقات برنامج الثامنة آلام الأهالي الذين فقدوا أبناءهم ممن غرر بهم للسفر والجهاد، واستعرض مقدم البرنامج بعض أسماء الدعاة الذين كانوا يروجون للفكر الجهادي، وكأن الأستاذ داود نسي نفسه حين كان مديرا عاما ورئيسا لتحرير مجلة الدعوة، إضافة إلى رئاسته لتحرير جريدة "المسلمون" الدولية عام 1993، ويمكن للمتابع والقارئ الجيد أن يلحظ محتوى ما كان ينشر في الإعلام الدعوي، سيما هذين المنبرين عن الجهاد والمجاهدين.

كانت ثقافة الجهاد عامة وعمياء، وأسهمت المنابر بخطبها ودروسها ومحاضراتها في انتشارها، إضافة إلى دور الفتوى التي أزمت تكريسها في عقول الشباب فضلا عن المناهج التعليمية، فهي ثقافة لم تنزل من الفضاء، وبذلك ليس هناك ما يلزم أن نحمّل وزر الماضي بما فيه من ضحايا على عاتق أشخاص نحددهم دون غيرهم، ونخصهم بالذكر على منصة إعلامية، ونوجه إليهم أصابع الاتهام، فأين المهنية والموضوعية بعد هذا التاريخ الطويل في العمل الإعلامي؟! وإن كان هناك نوع من التصفية للحسابات، فالعقل والوعي الجمعي غير مسؤولَين عن مشاهدتها، وتوظيفها كأداة لتحريك مشاعره أو استغلاله، كذلك فإن توجيه الفكر للمنحى الصحيح لا يكون بالتسلق على أكتاف الآخرين، ولو اقتصر الحديث على الشكل عام دون تخصيص لكان أفضل.

من الجيد أن نستغل القضايا السياسية الراهنة لوضع هذه القضية على مسرح الأحداث، ونتناولها كمسألة خطيرة وشائكة، فإذا كان نشر الفكر بين الناس يعد مسؤولية لا يمكن تجاهلها أو التهاون بها، فقد نتجاهل مثل هذه الآراء إن بقيت آراء شخصية، ولكن إذا كانت تروج وتؤذي الآخرين وتلوث أفكارهم، فهذا ما لا يمكن السكوت عليه، ومن حق الوعي الاجتماعي على جميع من تمثل هذه الفكرة في السابق، أن يتنازل عنها علنا وعن الأفكار العقيمة التي كان يعتد بها، وهذا لا يعني الانهزامية، إنما يعكس مدى الجرأة والقناعة والرضا عن الذات.

لن نجد الحل في الانقياد خلف التطرف والتنظيمات الدموية والإرهابية، ومن العار على من يظنون أنهم ناطقون باسم الله ودينه، أن يوظفوا الفتوى واستعطاف الناس لتحقيق تلك الأهداف، وهنا نلقي اللوم على تردي الوعي الاجتماعي الذي لا يجد حوافزه، والذي يمكن أن يناهض أسلوب التجييش والتعبئة الذي لا زال يمارسه بعض الوعاظ، فهم لا يقدمون أنفسهم ولا أبناءهم، بل إن أحدهم قبل أشهر حرض المسلمين على الجهاد وذهب إلى السياحة في لندن، وهذا يفسر مدى الاستخفاف بأرواح الناس على حساب الوجاهة بخلط المفاهيم الدينية وفق الأهواء.

ربما يغير البعض قناعته تجاه مثل هذه الأفكار، ولكن تعصبه لرأيه يعميه عن قول الحق ولو أدركه؛ لأنه يظن أن الناس لن تثق به إذا غير أفكاره، والأمر ليس بالصعب بل يتطلب شيئا من الشجاعة، وكل ما عليهم أن يستغفروا من ماضيهم.