ما حدث في المشهد السعودي أخيرا، واعد بتصدي شرائح أكبر في المجتمع للفكر المتطرف "الداعشي"، وما خلفه من حسرة وألم بينين، وهو ما تناولته غير مرة في مقالاتي، ويتعلق بالأسر السعودية التي بات أبناؤها، إما فاقدا للوعي بتعاطفه أو دعمه للإرهاب وآخر مفقود. ثنائية "الإرهابي والشهيد" لم تكن آخر معاركنا، اليوم نكتوي بالحيرة في أحوال من فقدتهم أسرهم، ثم صدمت بسفرهم لدول الثورات ليكونوا بين قاتل من "داعش" أو مقتول في "جبهة النصرة"، والقاسم المشترك بين معركة الأمس واليوم هو "مفتي ومشجع الموت والهلاك" من دعاة الفتنة.

ودعاة الفتنة ليس بينهم زاهد عابد.. عرفتهم الفضائيات التي ـ كإعلاميين ـ نعلم كم تشغل الإنسان جهود الإعداد والاستعداد لبث حلقة واحدة، فما بالنا بمن يحاول أن تشبع جميع الفضائيات التي تلف لفه من وجوده على شاشاتها، ناهيك عن صور احتفالاته وسفراته وسخافاته في القصور.. يحاول مرة استعراض مصعده الفاره، وتارة حديقة منزله التي يلعب فيها مع أبنائه وأحفاده، واحتفالاته النهارية والليلية، وسط استحضارنا وجع قلوب أمهات الشهداء من رجال الأمن وضحايا العمليات الإرهابية والعائلات التي غادرها الفرح والإحساس بأبسط تفاصيل الحياة بسفر الأبناء إلى بلدان الفتن والثورات..

ثراؤهم وتباهيهم بثرواتهم لا يعنينا إذا كان من كدهم وتعبهم، مع رفض أن يكون من يحدثنا عن الثورة على البطالة والفقر ممن لا نعلم عن إسهاماته الاجتماعية، سوى غسل الأدمغة والتحريض على كل ما هو وطني.. مجتمعنا المجروح يتعافى ويكتشف شيوخ الغفلة والضلال، القاسم المشترك بينهم ابتلاؤهم بتوسل النجومية والضوء والثراء الفاحش، والإيمان بأن يكون شبابنا الغض حطب وصوليتهم ونجوميتهم المزعومة.. والمهم هي حالة الانكشاف المتفاقمة لارتكاب الخيانة الوطنية مع كل تغريدة فحيحها راغب في حرق الوطن لتحقيق مكاسب يعي خطورتها أبسط إنسان على الفطرة.. ورغم تقيتهم، فإن معظم هؤلاء يصنع للناس وطنا في تغريداته من خيوط عنكبوت أحلام اليقظة.

أعتقد أن تركهم لتعرية فكرهم بأنفسهم ومن واقع طرحهم وتناقضهم المريض، مع مراجعات بسيطة لتاريخهم القاتم يكفي للباحثين والمتقصين عن الحقائق.. معركتنا معهم بين الإصرار على أن جذرها فكري، ومن يؤمن بفضحهم كأسلوب توعوي، هي معركة يكسب فيها مالك المعلومات والشجاعة للتوعية بمن يكون هؤلاء.. وكيف يمكن لـ"داعش" التي تقتل المسلمين فقط، أن تكون مصدر إلهامهم، ويردد بعضهم أن إرهابيي القاعدة وعملاء إيران المهددين لحدودنا مع اليمن، هم "طائفة من المؤمنين"، هكذا ببساطة..!