المونولوج خطاب احتجاجي عذب، يقوم على مسرحة الظواهر الحياتية، ولا يتصف بالتعقيد الصعب والحلول المركبة، وإنما تحريك الأفكار البسيطة لمعالجة قضايا راهنة تصيب المجتمعات بفعل التحولات والتغيرات في المزاج الذوقي العام، يعتمد على مفردة ذات طابع وظيفي سهل، وإيحاء مؤثر وصياغة لفظية دارجة ومرنة ومنطوقة، بعيدا عن التكلف والإغراب، ولكن الإشكالية هي في عجزنا عن تعريب اللفظة الفرنسية "مونولوج"، وتعني المقولة المفردة أو حديث الممثل الواحد والمسرح الصغير، أما تعريفه الفني كما يقول "رياض سيف الدين"، فجاء على لسان الشاعر أحمد رامي "بأنه الأغنية العاطفية الخيالية الرزينة"، وهذا تعريف خاطئ فهو فن ضاحك ساخر ناقد وهادف، يكشف السلبيات والأخطاء المجتمعية، وقد ظهر في بلادنا قادما من مصر، حيث اشتهر في بدايات القرن العشرين، كما يقول الناقد الفني محمد رجب ـ رحمه الله ـ وذلك على يد سيد درويش وسلامة حجازي وإسماعيل ياسين ومحمود شكوكو وغيرهم من نجوم هذا الفن العريق، الذي كان دافعا لظهوره في المملكة على يد الممثل حسن دردير "مشقاص" عام 1378 على مسرح الإذاعة في جدة، حين قدم مونولوج "الله الله على العازب حالته تبكي"، ليواصل بعدها تقديم أكثر من أربعين عملا أشهرها: "يا تكسي يا طاير"، و"الموضة"، كما أسهم الفنان عبدالعزيز الهزاع بأسلوبه اللاذع والموضوعي والناصح، في تقديم هذا اللون الجاذب؛ نظرا لتمتعه بالقدرة على تقليد الأصوات وتقمصها، إذ قدم عددا من الأعمال أشهرها "الخنافس، وغلاء المهور، والفلاح" كما أسهم لطفي زيني "تحفة" ـ رحمه الله ـ بدور مؤثر في فن المونولوج تأليفا وأداء، وكان أشهرها "كل الناس بتحب العيد" من تأليف محمد رجب ومنه: "كل الناس بتحب العيد والفرحة في القلب بتزيد... وأنا وأنت بنشوف تقاليد... كل سنة تكثر وتزيد... أولادك يقولوا هات وبناتك طالبين طلبات... ومراتك جابت كشوفات.. وكله عشان العيد بتزيد"... إلى آخر النص، كما اشتهر بأداء هذا اللون الاجتماعي الساخر، الفنانون عباس أبو شنب، أبو خداش، وسعد التمامي، وعبدالإله نوار، وعبدالله الصايغ، وسعيد بصيري، الذي نجح في تقديم أشهر مونولوجاته من كلمات رجب، إسهاما منه في حرب "المخدرات" ومنه: "ياللي تبلع وياللي تشم وياللي بتحقن نفسك سم.. فاكر هذا يزيل الهم... أنت تعيش أحلام ووهم... هل فكرت نهايته أيش والتخدير كم منه تعيش... لا تقول هذا كلام تهويش... اصح وصحصح وفز وقوم.." ترى من غيب هذا الفن الراقي الذي كان أصبعا يشير إلى أمراض المجتمع؟