أنظف يد هي يد الجراح، وأعظم مهنة هي طب القلوب، بعضها عضوي يقوم به الطبيب، وبعضها روحاني يقوم به المتصوّف الروحاني، وبعضها فكري يقوم به الفيلسوف المفكر.

ولكن الطبيب الفيلسوف الزاهد الأواب الرحيم هو من جمع فأوسع، وتكلم فأسمع، وناقش فأقنع، ورتب فأبدع؛ ومشى فأسرع، وضرب المرض فأوجع، وفلق الداء فأخضع، ووصف الدواء فأخشع، وعالج فأراح وأزاح..

يمكن أن نذكر عشرة عناصر للطبيب تجعله يجلس على سدة الطب، عرشه المعرفة، وصولجانه سماعة ومطرقة، وتاجه علم متألق وصحة غامرة.

أولها حكمة يمانية فهو لقبه منذ أيام حمورابي. وثانيها صبر ودأب قد يصل إلى عشر ساعات ويزيد في قاعات العمليات والظهر منحني متصلب والأعصاب متوترة متوفزة ودماء هي حتى مطلع الفجر. وثالثها علم وفهم وتحليل ومعرفة للأمراض ومبادئها دقيق، وفي كشف الحالات وتشخيصها صائب وعريق. ورابعها تواضع في ثوب ملائكي أبيض يوحي ببياض القلب وصفاء السريرة. وخامسها روح ديموقراطية في الحوار فيسمع ولا يعرض، ويصغي فيخشع، في جدلية الحوار غير المريحة في العادة فيريح ويستريح.

وسادسها قلة الكلام وكثرة العمل وألا يقول ما لا يفعل. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون. متبعا القواعد العشر في استعمالات الكلمة:

1 ـ الكلمة بريئة نحن الذين نشحنها بالمعنى.

2 ـ خير الكلام ما قلَّ ودلَّ.

3 ـ كثرة الكلام تنسي بعضه بعضاً احرص على الدقة والترابط والاختصار والتبويب وهندسة الكلام الرشيقة.

4 ـ الكلمة ملك لك قبل أن تَنْطقها فإذا نَطَقْتها ملكتكْ هي. أنت حر قبل الوعد فإذا وعدت أصبحت سجين الكلمة حتى تعتق نفسك؟ فلا تعد واحترس؟

5 ـ الكلمة كالطلقة إذا خرجت لا تعود؟! هل استطعت إرجاع الطلقة إلى فوهة المدفع أو سبطانة البارودة والمسدس يوما ما؟

6 ـ لا تتكلم وأنت منفعل لأنك ستخطئ قطعاً. اضبط نفسك بالصمت أو خذ دوشاً باردا أو توضأ.

7 ـ تجنب أن توجه خطاباً أو تكتب إقراراً أو مخاطبة جهة رسمية في ظروف الانفعال فالخطأ فيها قاتل ويصبح ممسكاً عليك. وكما يقول المثل الروسي فكر تسع مرات قبل أن تقص مرة واحدة.

8 ـ اكتب دوماً ولو لم يعجبك لأنه صقل للملكة وتثبيت لذاكرة الأيام وحديث داخلي للروح وإيواء للقرطاس والقلم في كهف العزلة الفردية.

9 ـ أخطر الكائنات الكلمة قد تشنق وقد تخنق؟

10 ـ في البدء كانت الكلمة هكذا افتتح إنجيل يوحنا، وأول كلمة نزلت في القرآن اقرأ وأقسم القرآن بالقلم وما يسطرون والطور وكتاب مسطور.

وسابعها الرحمة بالمريض وكتم سره وتغطية عورته وتخفيف ألمه والنظر إليه كإنسان خلفه عائلة وليس جيبا محشيا بالدولار واليورو؟

وثامنها التعاون مع الزملاء في جو من السلام والاحترام والتعاون وتبادل الخبرات تحت الشعار القرآني: سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون.

وتاسعها المتابعة الدؤوبة لأحدث الأبحاث العلمية في تطوير نفسه بدون توقف تحت شعار القرآن الرباعي في العلم: وقل رب زدني علما. وفوق كل ذي علم عليم. يرفع الله الذين آمنوا منك والذين أوتوا العلم درجات. ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء الله. وعاشرها نظافة الملبس وطيب الرائحة فلا تخرج منه رائحة عرق وجوارب تهرب العاشق؟ تحت شعار القرآن: وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير؟