سنحت لي مؤخرًا فرصة التوقف عند فندق من ضمن سلسلة فنادق شركة (ماريوت) العالمية، وأكثر ما لفت نظري، وجذب اهتمامي في هذه الإمبراطورية الكبرى هو البدايات الأولى لحياة مؤسسها الأميركي جون ويلارد ماريوت ـ John Willard Marriott ـ بعد تخرج جون من الجامعة افتتح وعمره 27 عاماً كشكاً صغيراً مكوناً من تسعة كراسي لبيع عصير الليمون أثناء فترات أشهر الصيف، وكانت من أهم مزاياه التي تميز بها أنه كان حريصًا بعد انتقاء الليمون وعصره وبيعه على سؤال زبائنه عن مستوى جودة العصير الذي يقدمه لهم، وعن تطلعاتهم التي يرغبون منه أن يحققها لهم في أثناء زيارتهم القادمة. بعد سنوات أنشأ جون ماريوت مطعمًا صغيرا، كان بمثابة نواة لجملة مطاعم نجحت كثيرًا في استقطاب اهتمام من يرتادها، وظل جون على حاله في المحافظة على سؤال مرتاديه عن مستوى الخدمة التي يقدمها لهم، وعن تطلعاتهم، مقدما لهم الوعد الصادق بتقديم أفضل ما يستطيع تقديمه لتحقيق آمالهم. مرض جون ماريوت وعمره 35، وشخص الطبيب مرضه بأنه يعاني من سرطان في العقد الليمفاوية، وأن أمامه من السنوات ما بين 6 أشهر إلى عام لا أكثر، ولم يمنعه كلام طبيبه من أن يجري عدة عمليات علاجية، وأن يفتتح أول فندق له، وعاش بعد ذلك أكثر من نصف قرن من الزمن.
السبب في نجاح جون ماريوت كل هذا النجاح الذي ذكرت بعضه يعود إلى أمور كثيرة (وهي ليست صعبة)؛ أهمها وفي مقدمتها أنه لم يترك سؤال زبائنه عن مستوى الخدمات التي يقدمها، ولأجل أن يطمئن على ذلك صمم ورقة ليكتب فيها الزبائن في الفنادق والمطاعم الشكاوى والمقترحات التي قادته فضيلة الاستماع إليها لبناء أضخم سلسلة مطاعم وفنادق عالمية مسماة باسم عائلته. جون ماريوت كان يعمل في فنادقه كأي موظف من الموظفين، ويرتدي ملابسهم، ويقدم المفاتيح للزبائن، بل ويحمل لهم الشنط.. يحكي المديرون الذين كانوا يعملون تحت جون ماريوت في شركاته المختلفة أنه كان محباً للعمل إلى درجة الإدمان، وكان يفاجئهم بزياراته في المطاعم؛ فيرونه عند الباب أو غرف التخزين أو الثلاجات، وكان يقوم بتمرير أصابعه على الأرفف للتأكد من عدم وجود غبار عليها، ويقوم بالنظر أسفل الطاولات وفي أدراج الملاعق والسكاكين، ويتفقد المواقد والصواني التي يقدم عليها الطعام، ويحكي ابنه (بيل) عن والده أنه كان متميزًا بالرفق الكبير مع العمال، ولاسيما الذين يعملون بشكل غير ثابت؛ فإذا مرض أحدهم ذهب ليزوره، وإذا وقع أحدهم في مشكلة، فإنه يبادر إلى حلها على الفور. هذا وغيره كان سببا في تكوين جون ماريوت لمجموعة كبيرة من الفنادق ليكون لها الصدى العالمي بعد ذلك في مجال الضيافة، وأصبح اسم ماريوت من أشهر الأسماء في هذا المجال، بعد أن بدأ بداية (ليمونية) متواضعة، ولم يكن يظن أبدًا أنه سيصل إلى كل هذا الحجم الهائل من النجاح الذي حققه في حياته.
من يريد أن ينجح عليه أن يضع في مقدمة أولوياته الاهتمام بمن حوله، والحرص التام على تلبية مطالبهم، والاستفادة من مقترحاتهم، وأحد الأدلة الملموسة هو هذا المحل الصغير للعصير الذي بدأ في طرف مدينة، وكيف كانت مقترحات مرتاديه السبب في بناء سلسلة من أشهر سلاسل الفنادق المنتشرة في كل مكان من هذا العالم الفسيح.