جرت العادة أن أكتب المقال ثم أستنبط منه العنوان، لكنني هذه المرة كتبت العنوان أولاً لأستنبط منه النص، وسأبدأ بالتعريف بـ"سوق واقف"، وهو سوق تقليدي يعد من أهم المعالم السياحية في مدينة الدوحة.

يجمع السوق بين العراقة والأصالة وبين المدنية الحديثة، وهو أشهر معلم سياحي وتراثي يقصده السياح والمواطنون. يشتهر السوق ببيع المشغولات التراثية وتناول الطعام العربي والشعبي والعالمي.

وفي اليونسكو يُعرف التراث الثقافي بأنه كل ما ينتقل من عادات وتقاليد وعلوم وآداب وفنون ونحوها من جيل إلى آخر، وهو يشمل كل الفنون الشعبية من شعر وغناء وموسيقى ومعتقدات شّعبية وقصص وحكايات وأمثال تجري على ألسنة العامة من الناس، وعادات الزواج والمناسبات المختلفة وما تتضمنه من طرق موروثة في الأداء والأشكال ومن ألوان الرقص والألعاب والمهارات.

اما الاتجار غير المشروع في تعريف الإنتربول، فهو ظاهرة تمس البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء. حيث يشكل الاتجار غير المشروع بالتراث الثقافي جريمة وطنية تمس البلدان الأصلية لهذا التراث وبلدان العبور وبلدان الوجهة النهائية. كما هو موضح في صفحة الإنتربول أيضاً أن الطلب على الأعمال الفنية، وفتح الحدود بين البلدان، وتطور شبكات النقل، وانعدام الاستقرار السياسي في بعض البلدان، جميعها أمور تسهم في تواصل عمليات الاتجار غير المشروع بالأعمال الفنية.

وهذا ما فعله منظمو مهرجان ربيع سوق واقف الغنائي بالدوحة، الذين دعوا إليه كلا من: سعد جمعة ومزعل فرحان وفتى رحيمة، وعرفوهم بـ"فناني الطرب الشعبي في الخليج العربي"، ولم يتم تعريفهم بـ"فناني الطرب الشعبي السعودي"، وأقدمهم الفنان سعد جمعة الذي يزيد عمره الفني على ثلاثة عقود، والذي سبق أن كرمته جمعية الثقافة والفنون في ليلة الوفاء بالتعاون مع الجمعية السعودية للمحافظة على التراث، فكانت ليلة ماطرة أشبه بالحلم كما وصفها الفنان سعد جمعة الذي قال في كلمته: إنه كان ينتظر هذه الليلة منذ زمن، والحمد لله أصبحت لدينا جمعية تهتم بالتراث المعنوي وتعمل عليه مع خبراء اليونسكو.

ربما يظن البعض أنني أبالغ في حساسية الموضوع، لكن تراثنا ليس وقفا لكل من أراد أن ينسبه إلى نفسه؛ فالتراث الشعبي هو ثروتنا الحضارية كما تصفه اليونسكو، والتراث الشعبي يعكس ما توصلت إليه حضارات الأمم، فأي حضارة لا تكون حضارة عريقة وذات جذور تاريخية إلا بمقدار ما تحمله من شواهد على رقيها الإنساني، ولكون الإنسان عبر مسيرته التاريخية يحاول أن يرقى بنفسه، فارتقاؤه هذا ينعكس على ما يخلفه من سلوكيات تتأصل في حياة الناس.

لذلك علينا أن ندرك أهمية ذلك ولا نسمح لغيرنا باستملاك تراثتا الثقافي، وأقصد بالاستملاك هنا ما فعلته الحركة الصهيونية بتراث دولة فلسطين، فصادرت موادّ غذائية كالحمّص والفلافل وزيتِ الزيتون. كما تمّت مصادرةُ الأزياء، إذ ارتدى الصهاينةُ الأوائلُ ملابسَ فلسطينيةً، واستََخدمتْ شركةُ الطيران الإسرائيلية "العال" الثوبَ الفلسطينيَّ المطرَّزَ أساسًا لتصميم ملابسِ مضيفاتها. إضافةً إلى ذلك تبنّى ملحّنون صهاينة عناصرَ موسيقيةً عربيةً: فأصبحت الدبكةُ جزءا من الرقص الإسرائيلي الشعبي، بل من الرقص الذي يمثّل إسرائيلَ في مناسباتٍ دولية. وثمة أدبياتٌ كثيرةٌ عن سلب المكتبات الفلسطينية (الكتب والمخطوطات)، وسرقةِ أرشيف الأفلام الفلسطيني، وسلبِ الآثار.

فالاستملاك أداة من أدوات الحرب حيث حدد نادر كاظم في كتابه: "طبائع الاستملاك" خطورته فقال: "إلا أن خطورة طبائع الاستملاك تظهر حين تعمد جماعة ما إلى استملاك ما لا يمكن استملاكه أو غير القابل للاستملاك. وهنا لا بد من التمييز بين نوعين من الأشياء التي تكون مقصودة بالاستملاك: فهناك أشياء قابلة للاستملاك فعلياً وقانونياً، وفي المقابل هناك أشياء غير قابلة للاستملاك الفعلي والقانوني".

لذلك يجب علينا دائماً ألا ننسى "نحن تراثنا".