اعتبر رؤساء تحرير ما يتعرض له بعض الصحفيين من مضايقات وضغوط نتيجة طبيعية لغياب الحماية المفترضة لهم، مشيرين إلى تجاوز بعض الجهات الرسمية والمسؤولين التنفيذيين لنظام المطبوعات والنشر، وقيامهم باستدعاء الصحفيين والتحقيق معهم بشكل غير نظامي.

وقال رئيس تحرير صحيفة "الحياة" جميل الذيابي، إن الصحفيين السعوديين "مكبلون" بنظام المطبوعات والنشر، متسائلاً؛ كيف للصحفي أن ينقب عن الأخطاء ويكافح الفساد وهو يوضع على حبل "مشدود".

وأضاف رئيس تحرير صحيفة "الاقتصادية" سلمان الدوسري: "لا أستغرب لو وصلنا لحال أشد مرارة مما يحصل حالياً، فغياب الجهة التي تحمي الصحفيين يعطي الفرصة لجهات لا علاقة لها بالصحافة بالوصول لهذه المرحلة". فيما طالب مدير ورئيس تحرير قناة "العرب" الإخبارية جمال خاشقجي، الصحفيين برفض الاستدعاءات غير النظامية.




هل تساءلت يوماً عن مصير ذلك الصحفي الذي كشف قضية فساد أو إهمال؟ هل تبادر إلى ذهنك ما قد يتعرض له كاتبك الصحفي المفضل حين يبهجك طرحه الجريء حول قضية ما؟ ألم تتساءل يوماً عن غياب الزاوية التي تتابعها في إحدى الصحف وكاتبها؟!.

ربما تبادرت إلى ذهنك كل تلك التساؤلات؛ إلا أن حصولك على إجابات شفافة وواضحة يبدو أمرا عسيراً!.


تراجع عالمي


الصحافة السعودية، التي يؤرخ لها البعض بصدور صحيفة أم القرى عام 1924، تجتاز بعد أشهر، عقدها التاسع، "مدعومة ومكبلة" بنظام وتعامل رسمي لم يساعدها على تجاوز ترتيبها المتدني في سلم مقياس حرية الصحافة العالمي، وهو تقرير تصدره منظمة "مراسلون بلا حدود" من أجل تصنيف أغلب دول العالم بناءً على تقييم المنظمة لسجلاتها للحريات الصحفية.

التقرير الذي يستقي معلوماته من 5 منظمات دولية ونحو130 مراسلاً معتمداً لدى المنظمة حول العالم؛ يركز على الهجمات التي يتعرص لها الصحفيون والإعلام بشكل عام، إضافة للضغوط غير المباشرة على حرية الصحافة.

وبحسب تقارير المنظمة التي تصدر سنوياً فإن ترتيب المملكة انحدر من المرتبة الـ125 عام 2002 إلى المرتبة الـ163 عام 2013 ليكشف عن ترتيب متأخر جداً من بين الـ179 دولة التي يرصدها مقياس حرية الصحافة.

نظام "بلا تطبيق"


نظام المطبوعات والنشر الذي صدر في نوفمبر 2000، وعلى الرغم من بعض الانتقادات التي يجدها؛ أقر في مادته الثامنة على أن "حرية التعبير عن الرأي مكفولة بمختلف وسائل النشر في نطاق الأحكام الشرعية والنظامية" فيما تعرض عدد من الكتاب الصحفيين للإيقاف بناء على آرائهم.

وفيما علق النظام منع الصحف عن الصدور بقرار من رئيس مجلس الوزراء؛ تعرضت صحيفة "الحياة" إلى الإيقاف لمدة 4 أيام "اغسطس 2007" وذلك بعد التزام الصحيفة أخلاقياً بعدم إيقاف كاتبها الذي ترى أنه لم يتجاوز النظام.

كما كفل الأمر الملكي الكريم رقم أ/93 في 26 أبريل 2011 حماية الصحفيين من التجاوزات، عبر تخصيص لجنة للنظر في قضايا النشر والمنازعات الصحفية في وزارة الثقافة والإعلام؛ إلا أنه على الرغم من ذلك، فقد تعرض كثير من الصحفيين لللاستدعاء والمساءلة من جهات رسمية ومسؤولين تنفيذيين بناء على مواد صحفية قاموا بنشرها، ودون الرجوع للجنة المختصة بوزارة الثقافة والإعلام.


غياب الحماية


استدعاءات الجهات الرسمية للصحفيين، وممارسة التحقيق معهم بشكل مخالف للنظام، أحد الضغوط التي يجد الصحفيون فيها مضايقة صريحة لأداء مهامهم، ويعتبرون أن ذلك نتيجة لغياب حمايتهم من قبل وزارة الثقافة والإعلام أو هيئة الصحفيين السعوديين.

وفي هذا الصدد، اعتبر رئيس تحرير صحيفة "الاقتصادية" الزميل سلمان الدوسري أن ما يتعرض له الصحفيون من مضايقات هي أمر طبيعي في ظل غياب الحماية، ويقول "لا أستغرب لو وصلنا لحال أشد مرارة مما يحصل حالياً، فغياب الجهة التي تحمي الصحفيين يعطي الفرصة لجهات لا علاقة لها بالصحافة بالوصول لهذه المرحلة".

وأضاف الدوسري "للأسف أصبح الصحفيون الجدار الواطي الذي تركبه هذه الجهة أو تلك أو هذا المسئول أو ذلك الوزير، ولا يدافع عن مصالحهم ويحفظ حقوقهم إلا صحفهم، أحياناً، وهذا ما يجعلنا لا نستغرب المزيد من انتهاك حقوقهم".

وقال "انتهى عصر التهديد والوعيد.. نحن في عصر عبدالله بن عبدالعزيز" مطالباً الجهات المتضررة من الصحف بالتوجه للقضاء الذي تمثله لجنة النظر بالمنازعات الإعلامية في وزارة الثقافة والإعلام.

الصحفيون "مكبلون"


أما مدير ورئيس تحرير قناة "العرب" الإخبارية، والكاتب في صحيفة "الحياة" الزميل جمال خاشقجي فاختزل رأيه بمطالبة الصحفيين برفض الاستدعاءات غير النظامية، وقال "لعمل فرق يجب أن يرفض أحدهم الاستدعاء ويطالب المسؤول بالتقدم بشكواه عبر آلية لجنة حسم المنازعات الصحفية المعتمدة رسميا من الدولة" مستدركاً بقوله "لن يفعل أحدنا ذلك ولا تسألني لماذا فتحرجني".

من جانبه، اعتبر رئيس تحرير صحيفة "الحياة" الزميل جميل الذيابي أن الصحفيين السعوديين "مكبلون" بنظام المطبوعات والنشر السعودي، خصوصاً بعد التعديلات الأخيرة، وقال "النظام يحوي نصوصاً عقابية صريحة بسحب ترخيص الصحف وغرامات مالية كبيرة، فكيف للصحفي السعودي أن ينقب عن الأخطاء ويكافح الفساد ويحمي النزاهة وهو يوضع على حبل "مشدود"، إذ من الذي يقرر مثلاً أن ذلك الكاتب بكتابته يثير النعرات ويبث الفرقة بين المواطنين ويحث على الإجرام ويشجعه، إضافة إلى مواد تمنع نشر أية معلومات مؤكدة وموثوقة عن وقائع التحقيقات أو المحاكمات من دون إذن من الجهات المعنية، فيتحول الإعلام إلى مجرد منابر للإعلان بعيداً عن دورها الأساسي كسلطة رابعة في المجتمع. كل تلك المواد تستسهل مساءلة الصحفي من أكثر من جهة كانت".


صور "صحفية" قاتمة


لعل آخر الأحداث التي تكشف ما يتعرض له الصحفيون السعوديون من مضايقات واعتداءات، هو ما تعرض له مراسل "الوطن" بمحافظة القنفذة الزميل محمد المجدوعي "10 سبتمبر الحالي" من مطالبة وزارة التربية والتعليم بمثوله للتحقيق معه حول مواد صحفية قام بنشرها، مستغلة كونه معلما لديها. وهي ذات الطريقة التي اتبعتها إدارة التربية والتعليم بجازان مع مراسل "الشرق" الزميل علي الجريبي "2 يناير 2013" والذي يعمل معلماً أيضاً، حيث خلطت الإدارة بين كون الجريبي معلماً وبين كونه مراسلاً صحفياً يؤدي عمله خارج الوقت المدرسي، حيث أحالته الإدارة للتحقيق في مقرّ عمله، بعد نشره مادة عن قضية فساد إداري.

ومؤخراً، اضطر مديرو مكاتب 4 صحف سعودية في تبوك للاستقالة من الملتقى الإعلامي للمنطقة، وذلك في ردة فعل مباشرة على ما تعرضوا له من "ضغوط ومضايقات" من إحدى الجهات الرسمية بالمنطقة أثناء تغطية صحفهم لبعض الأحداث، حيث أبدوا أسفهم وحزنهم الشديد لما آل إليه المشهد الإعلامي بالمنطقة، وعدم اتخاذ الملتقى موقفا إيجابيا يساند الإعلاميين أثناء تأديتهم لرسالتهم الإعلامية. في حين لحق بهم نحو 20 عضواً آخر، مبررين ذلك بتقاعس اللجنة التأسيسية للملتقى عن مسؤولياتها من خلال بيانها الذي تضمن موقفا سلبيا تجاه "الرسالة الإعلامية".

وفي 11 نوفمبر 2011 تعرض محرر ومصور الزميلة "الحياة" للمضايقة والاحتجاز أثناء متابعتهما قضية موظفي نظام "ساهر" داخل موقع الشركة المشغلة للنظام. غير أن اتصالات شخصية أسفرت عن تسوية محاولة منعهما من مغادرة المقر بعد القيام بواجبهما المهني.

كما تعرض مراسل "الوطن" في محافظة أبو عريش الزميل عبدالله سهل "6 سبتمبر الحالي" للاحتجاز والتوقيف ومصادرة جواله، حين حاول الوقوف على شكاوى مواطنين ضد الأحوال المدنية، حيث قام مدير الأحوال المدنية باتهامه بتصوير قسم الأرشيف واستدعاء الشرطة التي أوقفته لساعات وصادرت جواله، قبل اكتشاف أن جواله لا يحمل أي صور للمبنى.

وفي ذات السياق، تعرض مراسل "الوطن" في حبونا الزميل خالد آل فاضل للهجوم من قبل محافظ حبونا بمنطقة نجران ضمن مجموعة من المواطنين قبل أن يطرد الزميل من مكتبه بالقوة.

كما تعرض مراسل "عكاظ" الزميل قايد آل جعرة "31 يوليو 2009" للاحتجاز من قبل دورية شرطة في محافظة حبونا، أثناء تغطيته لمشروع سد وادي حلال في منطقة نجران، وأجبرت دورية الزميل قايد آل جعرة على وقف التصوير وسحبت الكاميرا وجهاز الجوال الذي بحوزته، واقتادته إلى المخفر ووضعته أمام خيارين، إما كتابة تعهد بعدم نشر الصور التي التقطها أو التوقيف.