فيما وصل إلى العاصمة السورية دمشق أمس 6 مراقبين تابعين لفريق التفتيش التابع للأمم المتحدة في زيارةٍ هي الثانية من نوعها منذ أواخر أغسطس المنصرم، الذي شهد "مجزرة الغوطة" والذي ذهب ضحيته أكثر من 1400 شخص، غالبيتهم من الأطفال والنساء، تنشر "الوطن" صورا خاصة عن تعرض سيارات لمراقبين عرب لاعتداءات من "شبيحة النظام".

وأمس عاد فريق التفتيش الدولي إلى سورية، بعد أن أكدت الممثلة السامية لشؤون نزع السلاح أنجيلا كين، عودة فريق الأمم المتحدة، لإجراء تحقيقٍ حول استخدام الأسلحة الكيماوية في مواقع عدة، غير التي زارها الفريق في زيارته الأولى، هي "خان العسل، وموقعان آخران" وافقت دمشق على إخضاعها للتفتيش الدولي، فيما شددت المسؤولة الغربية، على ضرورة انتظار انتهاء فريق التفتيش، ليتم الحكم بمصداقية.

وكان الفريق الدولي حضر إلى سورية في أعقاب الهجوم الكيماوي من قبل نظام الأسد على غوطة دمشق، بعد 4 أيامٍ من تجاوز الأسد، ما يعتبره المجتمع الدولي "خطاًّ أحمر"، حين لجأ للسلاح الكيماوي، وبعد أن أمضى أكثر من ثلاثين شهراً، استخدم فيها كل أنواع السلاح الحديث ضد شعبه، حيث غادر الفريق الأراضي السورية في الـ24 من أغسطس، أي بعد مجزرة الغوطة بـ3 أيام.

وكانت أطراف النزاع في سورية، قد تبادلت على مر الثلاثين شهراً الماضية الاتهامات، وبرز أخيراً اتهام الأطراف تلك لبعضها البعض، باستخدام السلاح الكيماوي، فيما يرفض أحدها – أي المعارضة – ما يُسوق له النظام حول استخدامها لتلك الأنواع من الأسلحة، على اعتبارها لا تملك الاحتياجات اللوجستية للعمل على مثل هذه النوع من الأسلحة.

فريق المراقبة العربي

ومع دخول فريق التفتيش الأُممي مرة ثانية للأراضي السورية، والذي تارة يقول رأس نظام دمشق، إنه عاجزٌ عن حفظ أمنه، وتارةً أُخرى يُبدي عكس ذلك، بحسب الضغوط السياسية عليه، يتبادر إلى الأذهان، فريق المراقبة التابع للجامعة العربية الذي جال على مناطق ومحافظات سورية، بُعيد اندلاع الأزمة السورية بأشهر قليلة، ابتداءً من الثاني والعشرين من ديسمبر من عام 2011، وغادر الأراضي السورية، وفرغ من مهمته في السادس عشر من يناير من عام 2012.

وفي أول ظهور لتفاصيل تعرض "فريق المراقبة العربي" للاعتداء على يد "شبيحة النظام"، ممن ينتهجون مبدأ "الأسد.. أو نحرق البلد"، تنشر "الوطن" صورا لمركبات تابعة للجامعة العربية – فرع دمشق – والتي كان يستقلها الفريق في التنقل ما بين منطقة وأخرى، ويبدو عليها شعارات "الأسد"، بعد تعرضها للتدمير بشكلٍ كامل.

ويضع ذلك، فرضيات حول ما إذا كان الفريق الحالي الخاص بالتفتيش عن أدلة تثبت استخدام الأسد للسلاح الكيماوي في مواقع جديدة غير التي سبق وأن زارها الفريق في زيارته الأولى لسورية، سيلقى ذات المصير، على اعتبار أن ما سيتم الكشف عنه من أدلة هذه المرة، لا يقارن بمهمة فريق الجامعة العربية، الذي كان يسعى للتثبت من قمع النظام لشعبه فقط في تلك الحقبة من عمر الثورة السورية بوجه نظام بشار الأسد، وليس من تجاوزه "الخطوط الحمر عبر استخدام السلاح الكيماوي" كما هو حال مهمة فريق التفتيش الدولي الآن.

ابتزاز نظام دمشق

وتعرض حينها فريق المراقبة العربي، لما وصف في ذلك الوقت بـ"ابتزاز من قبل النظام السوري"، على اعتبار أن الفريق دخل الأراضي السورية لمراقبة الوضع، والإيضاح للرأي العام الدولي ما يحدث في سورية، حيث عمد نظام الأسد في بداية اندلاع الأزمة تصوير ما يحدث على أنه "احتجاجات من قبل خارجين عن القانون"، فيما كان الوضع على الأرض يحكي ما لا يرغب الأسد قوله، وهو "انتفاضة شعب ضد نظام حكم".

وكان فريق المراقبة العربي قد تعرض للاعتداء أكثر من مرة، عبر محاولة بعض شبيحة الأسد مضايقة الفريق، الذي كان من مهام عمله، أن يجول ميدانياً على محافظات كانت في حينها ملتهبة ضد نظام الأسد، ومنع من دخول بعض المواقع، التي كانت تفرض عليها قوات النظام "سيطرةً مطبقة"، وتارةً تعرض لإطلاق نارٍ عشوائي من قبل قوات النظام، وهو ما قاد الدول العربية لسحب مراقبيها من الأراضي السورية، وكانت المملكة، أول الدول، التي قررت سحب الفريق السعودي المشارك في تلك المهمة، "امتعاضاً" من استفحال آلة الأسد العسكرية في مطلع الأزمة السورية، باستخدام السلاح بحق الشعب السوري "الأعزل" في حينها.

وتختلف مهمة فريق المراقبة العربي، عن مهمة فريق التفتيش الحالي الذي دخل أمس الأراضي السورية، حيث كان الأول يعمل من أجل مراقبة ما يحدث في سورية بعد اندلاع الثورة، أما الأخير فتتمحور مهمته حول جمع أكبر قدر من الأدلة، على استخدام سلاح "محظور دولياً".

خطة عنان

ومنذ اندلاع الأزمة السورية، كانت دمشق محطةً لعددٍ من فرق التفتيش، بدأها فريق يتزعمه مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي عنان، الذي وضع خطةً للسلام، تبخرت مع الوقت، جراء تصاعد الأزمة العسكرية في سورية، بين أطراف النزاع.

ووضع المبعوث الأممي كوفي عنان حينها، خطةً من 6 نقاط، لم يلتزم بها النظام السوري في حينها، وهو ما قادها للتبخر، في ظل تصاعد الأزمة، وتواتر تدفق السلاح على طرفي النزاع السوري.

ونصت المادة الأولى على ضرورة الالتزام بالتعاون مع المبعوث، في عملية سياسية تشمل كل الأطياف السورية لتلبية التطلعات المشروعة للشعب السوري، وتهدئة مخاوفه ومن أجل هذا الغرض الالتزام بتعيين وسيط له سلطات عندما يطلب المبعوث ذلك.

وجاء المحور الثاني من خطة الرجل حول الالتزام بوقف القتال، والتوصل بشكل عاجل إلى وقف فعال للعنف المسلح بكل أشكاله من كل الأطراف، تحت إشراف من قبل الأمم المتحدة لحماية المدنيين وتحقيق الاستقرار في البلاد.

واشترطت الخطة أن توقف على الفور تحركات القوات نحو التجمعات السكنية، وإنهاء استخدام الأسلحة الثقيلة داخلها، وبدء سحب التركزات العسكرية داخل وحول التجمعات السكنية، ومع اتخاذ هذه الإجراءات على الأرض على الحكومة السورية أن تتعاون مع المبعوث للتوصل إلى وقف دائم للعنف المسلح بكل أشكاله من كل الأطراف، مع وجود آلية إشراف فعالة للأمم المتحدة. ولم تغفل خطة كوفي عنان، ضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت الملائم لكل المناطق المتضررة من القتال، ولتحقيق هذه الغاية وكخطوات فورية، اشترط قبول وتنفيذ وقف يومي للقتال لأسباب إنسانية، وتنسيق التوقيتات المحددة وطرق الوقف اليومي للقتال من خلال آلية فعالة بما في ذلك على المستوى المحلي.

وطالب عنان في خطته، بتكثيف وتيرة وحجم الإفراج عن الأشخاص المحتجزين تعسفيا، وبوجه خاص الفئات الضعيفة والشخصيات التي شاركت في أنشطة سياسية سلمية، مع التقديم الفوري دون تأخير عبر القنوات الملائمة لقائمة بكل الأماكن التي يجري فيها احتجاز هؤلاء الأشخاص، والبدء الفوري في تنظيم عملية الوصول إلى تلك المواقع، والرد عبر القنوات الملائمة على الفور على كل الطلبات المكتوبة، للحصول على معلومات عنها أو السماح بدخولها أو الإفراج عن هؤلاء الأشخاص.

وكفلت مبادرة عنان، ضمان حرية حركة الصحفيين في أنحاء البلاد وانتهاج سياسة لا تنطوي على التمييز بينهم فيما يتعلق بمنح تأشيرات الدخول، فيما جاءت سادس محاور خطته، على نحو احترام حرية التجمع وحق التظاهر سلمياً، كما يكفل القانون.

مهمة الإبراهيمي

ومع مرور أكثر من عامين على الأزمة في سورية، دخلت الأمم المتحدة على الخط مُجدداً، عبر تأسيس فريق من مهمته "حلحلة" الأزمة بأكبر قدر من الخسائر، ولم تفلح هي الأخرى، لا سيما بعد وصف المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي لما يحدث في سورية بـ"الحرب الأهلية"، وهو ما خلق شعوراً دولياً يُعبر عن يأس، بعد إقرار الإبراهيمي بفشل مهمته ضمنياً.

تبخر محاولات التهدئة

ومع الوقت، تبخرت كل المبادرات التي وُضعت على طاولة الرئيس السوري بشار الأسد، وأخذ ولا يزال، يعمل عبر آلته الدبلوماسية في المحافل الدولية، على تصوير ما يحدث في سورية أنه "إرهاب وتطرف"، حتى بلغ أخيراً وقبل أسبوع مضى، القول "إنه يواجه إرهاب القاعدة"، لخلق أكبر قدر من القلق في الأوساط الغربية، التي تجد حساسيةً عن غيرها في التعامل مع ما يُسمى بـ"الإرهاب".

العودة للمربع الأول

ومع تقدم وتصاعد القتل في سورية، تعود الأمور للمربع الأول، وللسعي وراء الحلول السياسية، التي كان يُعول عليها بعض الأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي، فيما يُعول البعض الآخر على استخدام القوة، التي أنتجت وبحسب مراقبة، بمجرد التهديد فقط، تسليم الأسد لترسانته الكيماوية ووضعها تحت الرقابة الدولية، فيما تمكن الأسد من تمرير أجزاء من تلك الترسانة إلى حلفائه في المنطقة، بحسب ما كشفت "الوطن" أخيراً من معلومات حول هذا الأمر.