في شارع إدوارد رود في العاصمة البريطانية لندن التقيت عددا كبيرا من المبشرين بالدين المسيحي، يتجولون ويجوبون الطرقات بابتسامة ويتحدثون إلى السياح بتواضع ويردون على استفساراتهم بأريحية كبيرة، الجو كان ممطرا.. تفرق الناس من الشارع لكن هؤلاء لم يثنهم الجو عن متابعة المسير والمضي من أجل رسالتهم، وسيلتهم التعامل الحسن والتواضع، بقيت أراقبهم وقد لاحظت أنهم يستهدفون السياح على اختلاف جنسياتهم في هذا الوقت من السنة في شهر أغسطس حيث تكتظ العاصمة البريطانية بالقادمين من كلّ صوب وحدب، وبالمصادفة قابلت المجموعة نفسها في يوم آخر في أكسفورد ستريت وهو الشارع التجاري المميز هناك، لقد كانوا مجموعة من الرجال والنساء في أعمار مختلفة؛ فمنهم الشاب ومنهم الكهل لكن هدفهم مشترك وأسلوبهم راق، يجيدون لغات عدة قدموا من الولايات المتحدة الأمريكية وقد وزعوا كثيرا من نسخ "الإنجيل" المكتوبة باللغات المختلفة على المتسوقين والمارة.. القاسم المشترك صوتهم الرقيق وعباراتهم الجميلة وأسلوبهم المهذّب حتى مع أقل الناس تهذيباً معهم، وخلال رحلتي تلك كنت أتصادف معهم في أماكن مختلفة.

مما جعلني أتذكر هذه الحادثة هو ما حدث الأسبوع الماضي لي عند زيارة قريبة لي في أحد المستشفيات في مدينة الدمام، وفي صالة الانتظاركان هناك حامل للكتب وُضِعت فيه كتيبات بلغات عدة، وقد كتبت كلها وصدرت عن المكتب التعاوني والإرشاد وتوعية الجاليات بالدمام، كما وجدت به كتبا كتبت بلغات مختلفة وعددا من الأشرطة، ولكنها لم تكن من الجهة نفسِها، والقاسم المشترك بينها الترهيب والتخويف.. أخذت أحد هذه الكتيبات وكان عنوانه: " نساء من أهل النار ..."!!! من إعداد وترجمة: أحمد زين، وشرعت في قراءة الأحاديث والآيات الكريمة المكتوبة في الكتيب وكانت الترجمة باللغة الإندونيسية، ومعه كتيب مماثل باللغة الإنجليزية، ولنتخيل لو بدأت إحدى النساء من الديانات المختلفة والعاملات لدينا هنا بقراءة هذا الكتيب ولنفترض أنه أول علمها بالإسلام... تابعوا معي الأحاديث التي وضعت بالكتيب:

الحديث الأول: عن عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اطلعت في الجنّة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء رواه البخاري رحمه الله.

الحديث الثاني : عن عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أقل ساكني الجنة النساء. رواه مسلم رحمه الله. ناهيك عن باقي الأحاديث والآيات التي اختير منها فقط ما يحتوى على النار والعذاب وسوء العقاب، ولم يذكر التسلسل الكامل لهذه الآيات التي قد تكون وردت لحادثة معينة أو لموضوع معين ولكن أخذ منه فقط ما يحتوى التخويف والترهيب.

ولكم أنْ تتخيلوا إحدى الفتيات من الجنسيات المختلفة واللاتي لم يعرفن عن الإسلام وسماحته وعن الرسول وكريم خلقه في التعامل مع الصغير والكبير مع النساء والرجال، ويكون أول علمهن بهذه الأحاديث دون سابق إرشاد أو توعية. هل تعتقدون أنها ستقبل على دين يرى أن أقلّ ساكني الجنة من النساء؟، وإنني أستغرب أن يكون مثل هذا الكتيب بعنوان: "نساء من أهل النار ...!!!" من إصدارات المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بالدمام.

وإن كنت أرى أن نترجم ونشرح مواقف الرسول مع غير المسلمين وحكمته في التعامل معهم في ظل الدولة الإسلامية، كما نتطرّق في كتيبات أخرى إلى حقوق المرأة التي كفلها لها الإسلام ومكانة المرأة الجليلة في الدين الإسلامي .

وما ذكرته لكم هو جزء يسير جداً مما جاء في الكتيب الذي لا أرى أي لجان قد أشرفت على محتوياته من العلماء أو الأكاديمييّن، أو المتخصصين في علم النفس أو الاجتماع للاطلاع على ما قد يكون من ردة فعل أيّ قارئ لمثل تلك الكلمات في أول عهده بالدين الإسلامي، كذلك لم أر أي إشارة إلى اطلاع وزارة الإعلام على مثل هذه الإصدارات وهي الجهة الرسمية المخولة بالإشراف على المطبوعات الصادرة لدينا هنا.

كل ما سبق جعلني أتذكر خبرا وردني وقرأته في عدد من المواقع عن بعض الشباب السعودي ممن اعتنق الدين المسيحي خلال فترة دراستهم في خارج البلاد، وأدعو الله خلال قراءتي للخبر أن يكون من تلك الأخبار المفبركة والإشاعات الكثيرة التي تردنا على شبكة الإنترنت فنحن في زمن يحكمنا التنفير والتخويف والإفتاء الذي وصل حدّ إباحة دماء البشر وهدم المسجد الحرام وغيرها من الفتاوى التي ملأت الدنيا وشغلت الناس عن جوهر الدين الإسلامي وأظهرت أن ديننا الإسلامي وعلماءنا هم من المتشددين المتطرفين.

رسالة صغيرة للمكاتب المسؤولة عن الدعوة والإرشاد، ولعلمائنا الأفاضل مفادها أن الدين الإسلامي أمانة ويجب أن ندعو إلى ا لله بالحكمة والموعظة الحسنة بعيداً عن التشدد والوعيد والنار فالخطوات الأولى يجب أن تكون إيجابية حريصة كل الحرص على الترغيب وليس الترهيب.