حينما تعيد قراءة سياق "الشعر العربي" في التاريخ الحديث، فأنت لا تستطيع أن تحيد بوجهتك عن شخوص "دبلوماسيين" ساهموا في بزوغ أو إعادة الحيوية لأنماط "الثقافة الشعرية"، وتذكر منهم الشاعر السوري الدبلوماسي نزار قباني، الذي انخرط في السلك الدبلوماسي منذ 1945، والأديب والشاعر الدبلوماسي عمر أبو ريشة، الذي حمل في عقله وقلبه الحب والعاطفة للوطن العربي، ذلك الانطباع دفع القنصل المصري ماهر المهدي، في حديث إلى "الوطن" للتأكيد على أن "الشعر والدبلوماسية" يلتقيان عند العرب في "اتجاه التعددية والقدرة في التعبير عن الذات بإيجاز ووضوح".

إلا أن المهدي الذي اشتهر في الوسط الدبلوماسي بلقب "الشاعر الدبلوماسي"، أصدر عدة دواوين منها "حب بعد التنحي" بالفصحى، وآخر بالعامية المصرية "وردة في التحرير"، يؤكد مجدداً على سياق آخر متصل بقوله: "ويفترق العمل الدبلوماسي عن الشعر في كونه عملا يدور داخل أطر حازمة وجادة من التخطيط والتنفيذ للوصول إلى أهداف محددة وتأدية مهام محددة، أما الشعر فهو رؤية شاعر للحياة من ذاتيته وتجربته الخاصة".

وحيال سؤال "الوطن" عن تأثير الأزمات التي تمر – ولا تزال - بالمنطقة العربية على بروز مصطلح "الدبلوماسية الشعرية"؟ قال المهدي: "المصطلح قد يكون جديداً لوظيفة أو دور قديم قدم فن الشعر في الوجود الانساني، وليس وليد ظروف اليوم مع أهميتها البالغة"، ويضيف: "لا شك أن الشاعر يعايش ويتأثر بظروف بلده ومنطقته ويسعى جاهدا إلى المشاركة كمواطن وكشاعر بتأييد المجتمع في سعيه للأفضل وفي سعيه لحماية قيمه، معبرا بذلك عن الجموع الحاشدة. كما يعبر - كمثقف مدرك لطبيعة شعبه وبلده – عن تطلعات بلده وآماله للنفس وللغير من الدول الصديقة والمجاورة والدول التي تجمعها بشعبه روابط وثيقة. هذا فضلا عن الدور الذي يفرضه الضمير الإنساني للشاعر، وهو دور لا تحده الحدود بأنواعها".

في محور آخر يقفز المهدي عن حاجز الجدل الثقافي بدبلوماسية تبعده عن التصنيف الشعري حول الإشكالية الشعرية بين "الفصيح والعامي" التي يكتب بكليهما فيشير رغم تأييده لأهمية اللغة العربية الفصحى ودورها في الارتقاء بالذوق العام وفي الحفاظ على لغة القرآن الكريم، إلا أن ذلك - والحديث للمهدي - لا يمنع من منح شعر العامية فرصته التي استحقها عن جدارة بقدرته على النفاذ إلى القلوب من باب خاص به مثلما لشعر الفصحى بابه الخاص في أسر الأحاسيس والمشاعر. موضحاً أن البعض يبني موقفا متحفظا من "شعر العامية خوفا على الفصحى وحماية لها وليس ضعفاً فيها أو قصر قامة الأول عن قامة الثاني".

وبشكل دلالي قاطع ينفي الدبلوماسي المهدي استحواذ "الرواية العربية" على حصة الأسد من مجمل الاهتمام بالإنتاج الأدبي العربي مهمشاً "فن الشعر"، ورأى أنهما يسيران "بخطوط متوازية"، بحيث إن أحدهما لا يطغى على الآخر أو يحجبه، مستدركاً بالقول: "إن من يمتلك موهبة الكتابة في العمل الروائي قد لا يمتلك المقدرة على كتابة الشعر بصفة عامة والعكس صحيح، ولكن العصور تشهد صعود نجم فن معين وأفول آخر لفترة من الزمن قد تطول أو تقصر، وهذا الصعود والهبوط طبيعة من طبائع الحياة".