أحمد حسين الأعجم



من أهم المشاكل الفكريّة والثّقافيّة الّتي تكاد تسيطر على تعاطينا مع واقعنا الاجتماعي في المملكة، مشكلة الاهتمام بمعالجة (النتائج) وإهمال دراسة ومعالجة (الأسباب)، وهذا الأمر هو ما جعل معظم مشاكلنا بلا حلول جذريّة، وفي كل المجالات اقتصاديّا واجتماعيّا وثقافيّا ورياضيّا وتعليميّا، وسأورد هنا بعض الأدلة، أولا: مشروع السّعودة كمشروع وطني واجتماعي حيوي وهام لم يحقّق النجاح المأمول، وللأسف فكل من تحدّث عن هذا الموضوع من مسؤولين أو رجال أعمال أو مثقّفين وكتّاب يُركّزون على أن (أسباب) فشل مشروع السّعودة هو عدم جدّيّة الشّاب السّعودي، وضعف روح العمل عنده، وقلّة إنتاجيّته، وكثرة تغيّبه، ولو نظرنا بعقل وحكمة فهذه كلّها (نتائج) وليست (أسبابا)، بينما (الأسباب الحقيقيّة) الّتي يتم التّجاوز عن ذكرها (بقصد – أو بغير قصد) هي عدم تحديد حد أدنى لرواتب السّعوديين تتوافق والوضع الاقتصادي القائم، وأيضا عدم تحديد فترات العمل بحيث لا تتجاوز 8 ساعات يوميّا، وما زاد عنها يتم احتساب أجر إضافي عليه، وهذا نظام عالمي، لكنّه للأسف غير مطبّق وخاصّة في القطاع الخاص، هذان السّببان وغيرهما هما اللّذان جعلا الشّاب السّعودي غير جاد وكثير التّغيّب، ثانيا: قضيّة التّعصّب الرّياضي، مثل انتشار الهتافات العنصريّة في الملاعب، أو الصّدامات الّتي تقع بين بعض الجماهير، كل من تحدّث عن هذه القضيّة يلوم الجماهير، ويعتبرها هي (سبب) كل ما يحدث، ويطالب بتوعيتها، بل وبمعاقبتها ومعاقبة الأندية الّتي تنتمي لها، ومرّة أخرى فمظاهر التّعصّب الّتي سبق ذكرها هي في الواقع (نتائج) وليست (أسبابا) بينما (الأسباب الحقيقيّة) الّتي لا يود أحد الإشارة إليها هي: ما تعرضه القنوات الرّياضيّة من برامج تمتلئ بكل أنواع التّعصّب، على يد مجموعة ممن توشّحوا رداء النّقد الرّياضي أو (التّعصّب الرّياضي) بمعنى أصح، فضلا عما تنشره معظم الصّحف متخصّصة وغير متخصّصة من أخبار وإساءات تحت مسمّى النّقد، نعم هذه هي (الأسباب) الحقيقيّة لانتشار التّعصّب الرّياضي، وما الجمهور هنا سوى مقلّد ومتأثّر بما يراه ويسمعه، ومن أناس كبار في السّن وأرباب أسر، وبعضهم لديه أحفاد!

ثالثا: انحراف الأبناء، الآباء يصرخون والتّربويّون يتحدّثون على أن (أسباب) الانحراف كثرة المغريات في هذا العصر، ووسائل الإعلام، ووسائل التّقنية الحديثة، وفي اعتقادي الشّخصي أن هذه كلّها (نتائج)، بينما (الأسباب) الحقيقيّة هي ضعف اللُّحمة الأُسريّة، وانشغال الوالدين، وغياب لغة الحوار والتّفاهم والشّراكة بين أفراد الأسرة، وافتقاد القدوة، هذه العوامل هي الّتي تدفع الأبناء للبحث عن بديل، والبديل متوفّر وبكثرة، ومن هنا يبدأ انحراف القطار عن مساره.

رابعا: الفساد الإداري والمالي في الأجهزة الحكوميّة والّذي أضعف البنية التّحتيّة، وأخّر المشاريع، الكل يتحدّث عن موت الضّمائر وفساد الذّمم كأسباب للفساد، والواقع يقول إن موت الضّمائر وفساد الذّمم مجرّد (نتائج)، أمّا (الأسباب الحقيقيّة ) فهي غياب الأنظمة الجزائيّة الصّارمة الّتي تأخذ على يد الفاسد حتّى يتّعظ غيره، والدّليل أن محاكمات المتسبّبين في غرق جدّة، جعلت الكثير من المسؤولين والموظّفين يتحسّسون كراسيهم، ويتريّثون في الكثير من القرارات الّتي يصدرونها.

خامسا: كثرة حوادث المرور في المملكة، (الأسباب) الّتي يتردّد ذكرها على كل الأصعدة الرّسميّة والاعلاميّة والاجتماعيّة هي: السّرعة، التّجاوز الخاطئ، قطع الإشارات، وهذه كلّها (نتائج) لعدم وجود نظام مروري صارم وتربوي في نفس الوقت مثل: نظام النّقاط، وسحب الرّخصة، هذه أمثلة من واقعنا الاجتماعي توضّح أسباب بقاء الكثير من مشاكلنا دون حلول، ولو أسقطنا نفس الرّؤية على المجالات الأخرى لوجدنا الصّورة تتكرّر كثيرا، والمؤسف هنا أن بعض وسائل الإعلام تشترك في تغييب الحقائق، من خلال نشرها لتصريحات المسؤولين المليئة (بالتّهرّب) من ذكر الأسباب كما هي، والمليئة (بالإلتفاف) على الحقائق، إذاً يكفي هروبا، يكفي قفزا على حقائق المشاكل، ولا بد من المواجهة والصّدق في تحديد (الأسباب الحقيقيّة) وليست (الوهميّة) هذا إذا كنّا جادّين حقّا في التّطور، والبحث عن الأفضل، لوطننا ومجتمعنا وأبنائنا.