اجتماع هذا العام في منتدى دافوس الاقتصادي لم يكن مناسبة سعيدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. كان الاجتماع معلماً آخر للقضية الفلسطينية. كان إنجازا مهما لأنه وضح تماما أن ضغط المقاطعات وتقليص الاستثمارات الذي واجهته إسرائيل بسبب احتلالها ومستوطناتها غير الشرعية بدأ يؤلمها بالفعل.

أحد الاجتماعات الجانبية في دافوس هذا العام كان لقاء لمجموعة "كسر الجمود" الذي ضم رجال أعمال فلسطينيين وإسرائيليين يعارضون سياسة نتنياهو واليمين الإسرائيلي الرافضة لقيام دولة فلسطينية مستقلة. في مايو 2013، كان أبو مازن هو الشخصية المركزية في اجتماع خاص في المنتدى الاقتصادي العالمي في الأردن لإطلاق جماع "كسر الجمود"، حيث التقى الرئيس عباس مع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز. وتحدث أيضا في ذلك الاجتماع في الأردن جون كيري، وشكل إطلاق "كسر الجمود" خطة عمل لمواجهة رفض نتنياهو واليمين الإسرائيلي التخلي عن الاحتلال.

أهمية جماعة "كسر الجمود" هي أنها تفهم أن العالم المتحضر لم يعد يتحمل الاحتلال الإسرائيلي، وهذه الظاهرة تهدد إسرائيل بأكبر تهديد أمني لها على الإطلاق: العزلة. تتألف "كسر الجمود" من 100 من كبار رجال الأعمال الإسرائيليين، الذين يسيطرون فيما بينهم على أكثر من 30% من إجمالي الاقتصاد الإسرائيلي ومن مجموعة صغيرة من رجال الأعمال الفلسطينيين الناجحين. خطة عمل المجموعة لن تحقق العدل والسلام للفلسطينيين، لكن مجرد وجودها شهادة على أن جهود المقاطعة ضد إسرائيل بدأت تثمر.

مرة أخرى، في يناير 2014، في اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، عقدت مجموعة "كسر الجمود" اجتماعا مع قادة إسرائيليين وعالميين، ولم يكن نتنياهو من بينهم.

بعد مؤتمر دافوس، شعر نتنياهو والصهاينة المتشددون الآخرون بالقلق. إحدى مظاهر ذلك القلق كان أن معهد الدراسات الأمنية الوطنية، وهو مركز أبحاث إسرائيلي معروف، أجرى مقابلة مطولة مع الرئيس محمود عباس ليعرضها المنظمون في مؤتمرهم في تل أبيب في نهاية يناير. دعوة معهد الدراسات الأمنية الوطنية لمحمود عباس يعد محاولة للضغط على نتنياهو للتحرك باتجاه حل الدولتين. أبو مازن واجه الكثير من الانتقادات من ناشطين فلسطينيين لأنه أجرى المقابلة، لكن يجب الاعتراف أن دعوة معهد الدراسات الأمنية الوطنية مؤشر آخر أن النضال الفلسطيني لم يعد بالإمكان تجاهله.

في الولايات المتحدة، آثار حركة المقاطعة ساخنة سياسيا. أولا، وجد جون كيري نفسه مُلزما بتحذير القادة الإسرائيليين بأن الولايات المتحدة لم تستطع أن توقف حركة المقاطعة حتى داخل أميركا. تصريح كيري بأن "هناك حديثا عن مقاطعات وأشياء أخرى" تعرض لانتقادات غاضبة كثيرة في إسرائيل ومن منظمات مؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة. ماذا يستطيع كيري أن يفعل؟ حتى لو سحب تصريحه، فإن حركة المقاطعات سوف تبقى.

مع أن من الصعب تقدير حساب واحد لقيمة هذه الأعمال، إلا أن قيمة العقود والاستثمارات التي تم إلغاؤها وسحبها من إسرائيل في 2012 - 2013 يبدو أنها وصلت إلى مليارات من الدولارات. والحكومة الإسرائيلية تحسب كل دولار. حركة (بي دي إس) التي مركزها في الولايات المتحدة تقول إنه في 2013، أصدر الاتحاد الأوروبي "إرشادات تمنع الوزارات الإسرائيلية، والهيئات والأعمال العامة التي تعمل في مناطق فلسطينية محتلة من الحصول على قروض تصل قيمتها إلى مئات الملايين من اليورو كل عام من بنك الاستثمار الأوروبي. كما تمنع الإرشادات تقديم منح لتمويل الوزارات الإسرائيلية والهيئات والأعمال العامة أو الأعمال الخاصة على نشاطات داخل المناطق الفلسطينية المحتلة، حتى لو كان مقرها الرئيسي داخل حدود إسرائيل قبل 1967". بنك نورديرا أسقط شركة سيميكس الإسرائيلية العملاقة لاستخراج المواد الخام من محفظته لأن الشركة تنشط في الأراضي المحتلة. وهناك صندوق تقاعدي أميركي كبير أسقط 1.2 مليون دولار من الاستثمارات في شركة المياه العملاقة (فيوليا) بسبب نشاطاتها في المستوطنات اليهودية. وشركة (فيتنز) الهولندية لمياه الشرب أنهت تعاونها مع شركة المياه الوطنية في إسرائيل.

في ولاية نيويورك، تم سحب مشروع قانون بإيقاف تمويل أي جامعة في الولاية تشارك في مقاطعة إسرائيل من الجمعية العامة بسبب الاحتجاجات الشعبية التي تظهر تناقصا في التعاطف مع الاحتلال الإسرائيلي. كذلك الأمر، في الثالث من فبراير الحالي، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية المعروفة خبرا بأن لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأميركية (إيباك)، المعروفة بنفوذها الواسع كأقوى مجموعة ضغط مؤيدة لإسرائيل، خسرت توجهها لجعل مجلس الشيوخ يفرض عقوبات جديدة على إيران. تلك كانت هي المرة الأولى التي تخسر فيها إيباك مواجهة رئيسية مع البيت الأبيض منذ موافقة الرئيس رونالد ريجان على بيع طائرات التجسس الأميركية (أواكس) إلى السعودية رغم اعتراضات المجموعة القوية.

هناك ملاحظة تثير الضحك، وهي أن المقاطعة كانت كبيرة حتى في المباراة النهائية لكرة القدم الأميركية (سوبر بول)، حيث اضطرت الممثلة العالمية الشهيرة سكارليت جوهانسون، أن تتخلى عن موقعها في مؤسسة (أوكسفام)، إحدى أهم المنظمات العالمية لحقوق الإنسان، لأنها رفضت أن تتخلى عن إعلان تجاري للشركة الإسرائيلية (سودا ستريم).