من تستمع لنظريات روسو في التربية والتعامل مع الأطفال لا تتمنى فارسا لحياتها غيره ومادام لن يحصل فنسخة عنه، فمع حكمه تطيب الحياة ومع نظرياته تسهل التربية ويتخرج الأبناء من جامعة الأسرة عباقرة أسوياء، إلا أنه – ببالغ الأسف - لم يتمكن من ممارسة التربية ولم يكن لديه الفرصة لاختبار نظرياته في أطفاله، فقال ذات (دجة): قبل أن أتزوج كان عندي ست نظريات في تربية الأطفال أما الآن فعندي ستة أطفال ليس معي لهم نظريات!

لو شغل روسو بالتربية وتدريس الأطفال ومتابعة نموهم النفسي والفكري وانهمك بواجباته الزوجية ومتطلبات أسرته ما ترك أثرا يخلد ذكره ويدرج اسمه في المقررات الدراسية لكل الأجيال في شتى الأصقاع!

لكن هل طرح سؤالا على نفسه وهو مهموم بتخليد نظرياته: كيف ستقتنع الأجيال بجدواها وكيف تستفيد البشرية منها فعليا وهو أول المتخلين عنها العاجزين عن تطبيقها؟

ما أكثر عينات جان جاك روسو بيننا الذين يرون أنهم خلقوا ليقولوا: يجب والمفروض وهذا خطأ وأنا أرى، وفي واقعهم وعلى أنفسهم ليس ثمة ما يجب ولا يوجد مفروض، وكل مكان لهم منبر، ولا يشبههم إلا آلات المشروبات الغازية فبضغطة زر تنهال عليك الحكم والنظريات والفلسفات، حتى يذهلك البيان لدرجة تجعلك تدور حوله متأملا متعجبا لتكتشف أنك تدور حول آلة!

فإن بدا لك المنبر كبرج المملكة، وبدا أنك تستمع لنسخة عربية للمهاتما غاندي، فإن أردت الاستمتاع بالحكمة فاعلم – يرحمك الله – أن (الكيف وهم) وتجاهل المقولة المغرضة (العرب ظاهرة صوتية) وتذكر أن العرب أمة البيان والسحر الحلال، وإن أعجبتك قامة فيلسوفك فلا تحاول النظر للسلم الذي يقف عليه خلف المنبر (تحصل في أحسن العائلات وسواها ساركوزي)!

والآن دعنا نذكر نسختنا العزيزة بأن لا رسالة أعظم من رسالة المصطفى عليه الصلاة والسلام، ولا عملاق يتجرأ على الوقوف بجانب قامته، اليتيم الأمي الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة وربى الأمة وطبق النظرية فكان خيرنا لأمته وخيرنا لأهله وخيرنا لرسالته! فإن شغلتك صياغة الحكمة عن جوهرها فاعلم أنك أسوأ المعلمين، وإن أغراك تجمهر المعجبين والمعجبات فتذكر التجمهر يوم الحساب والسؤال عن الأمانات التي فرطت بها وأنت مهموم بمجدك وعدّ جماهيرك!